بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الحي القيوم المدبر لجميع المخلوقين ، المنزه عن صفات المخلوقين ،
المستغني عن كل ما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه .
والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وإمام الأتقباء والصالحين .
وبعد فهذا موضوعنا الثاني في بيان بعض معاصي القلب . فأقول مستعينًا بالله عزّ وجلّ .
من معاصي القلب الأمن من مكر الله : وهو من كبائر الذنوب ،
وهو الاسترسال في المعاصي مع الاتكال على رحمة الله ، فهذا من المعاصي الكبائر ،
أما من اعتقد أن الله لا يعذب على المعاصي بالمرة بعد ثبوت الإيمان ، فهذا كفر ، وذلك لتكذيبه الآيات الصريحة
والأحاديث الصحيحة الصريحة التي تنصّ على عذاب مرتكب المعصية ما لم يغفرها الله .
منها قوله تعالى : { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء }سورة البقرة .وقال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره }سورة الزلزلة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان )
رواه البخاري ومسلم . فقوله يخرج من النار أي أنه يخرج بعد أن دخلها .
تنبيه : المكر من العبد هو الخبث والخداع . أما من الله عزّ وجلّ هو إيصال الضرر للعاصي عن طريق خفيّ .
قال تعالى : { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } أي أنّ الله هو أقوى بإيصال الضرر إليهم .
وأما القنوط من رحمة الله : فهو أن يسيء العبد الظن بالله تعالى فيعتقد انّ الله لا يغفر له البتّة وأنه لا محالة يعذبه وذلك نظرًا لكثرة ذنوبه مثلاً . فهذا ذنب من كبائر الذنوب .
أما من اعتقد أن الله لا يغفر ذنوب العصاة المسلمين بالمرة فهذا كفر لتكذيبه النصوص القرآنية والحديثية .
قال تعالى :{ فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء }وقال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } سورة النساء .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب " قيل وما يقع الحجاب يا رسول الله ؟ "
قال : أن تموت النفس وهي مشركة ) رواه الإمام أحمد .
فعلى العبد أن يكون بين الخوف والرجاء : يرجو رحمة ربه ، ويخشى عذابه .
ومن معاصي القلب التكبرعلى عباد الله : وهو ردّ الحق على قائله ، واستحقار الناس .
كمن يتكبر عن قبول الحق مثلا لكون القائل صغير السنّ ، أو فقيرًا ، أو مريضًا ، أو غير ذلك .
أو أن يستحقر الناس فينظر إلى الفقير أو إلى الصغير نظر احتقار ، أو لكونه أقل منه في المرتبة الاجتماعية ،
قال تعالى : { ولا تصعّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا}سورة لقمان .
قال عليه الصلاةوالسلام : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر )قيل يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا فقال :( إن الله جميل يحب الجمال ، الكِبر بَطَرُ الحق وغَمطُ الناس )رواه مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام :( إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخرأحد على أحد )رواه مسلم .
وقال أيضًا : ( وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله تعالى ) رواه مسلم . وقال ايضًا : ( إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة التواضع ) رواه الحافظ بن حجر . ومعناه أن التواضع من أعظم العبادات .
وروى البخاري:( أن المتكبرين يحشرون يوم القيامة كأمثال الذرّ ( أي النمل الصغير ) يطؤهم الناس بأقدامهم ).
تنبيه مهمّ :
ذكرنا أن بعض الأشياء فيها كفر ، فمن وقع بالكفر عليه أن يعود فورًا إلى الإسلام ،
وذلك بالإقلاع عن السبب ، والنطق بالشهادتين بنية الدخول للإسلام ، ويجب عليه الندم على ما صدر منه ،
والعزم على أن لا يعود لمثله ، ولا ينفعه الاستغفار قبل التشهد .
والله تعالى أعلم وأحكم
أسأله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى ، آمين .
سنتكمل الموضوع في درس آخر إن شاء الله تعالى .