ترتفع
الأصوات اليوم تنادي بالوطنية، حتى كانت ''الوطنية'' شعاراً براقاً يرفعه
الكثيرون ويدعون له، ونحن هنا سنناقش الوطنية من وجهة النظر الإسلامية،
ونبين الوطنية التي يتبناها الإسلام كرابط وشعور، وما هي الخصوصيات
الإسلامية في طرحه للوطنية·
وسيكون حديثنا في نقاط أربع:
أولاً: مفهوم الوطن: فالوطنية مشتقة من الوطن ولابد لنا أن نقف أمام معاني الوطن وهي:
1- المعنى اللغوي: فالوطن لغة ما يقيم فيه الإنسان، ولذلك نص ابن منظور على أن الوطن هو المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحله
2- المعنى الفقهي:ئفقد استفاد الفقهاء من المعنى اللغوي للوطن في تعريفه، فقد نصوا على أن الوطن هو مسكن الإنسان، وقسموه إلى قسمين:
أ - الوطن الأصلي: وهو المسكن الأصلي للإنسان ومسقط رأسه ·
ب - الوطن الاتخاذي: وهو ما اتخذه الانسان مسكناً له اختياراً·
وعالج
الفقهاء هذين المعنيين في بحوثهم، ومن هنا فالطرح اللغوي والفقهي يتحدث عن
الوطن على أنه حدود المسكن ومحله، ومن هنا قد تتعدد الأوطان في البلد
الواحد
3
- المعنى السياسي: وهو الرقعة الجغرافية للدولة والحدود الإقليمية الدولية
لبلد ما، والوطنية يقصد بهائانتماء الفرد إلى هذه الرقعة الجغرافية،
والوطنية كمصطلح سياسي ظهر في القرن التاسع عشر ليفيد أن مصالح الأمة أو
الوطن تفوق كل المصالح الأخرى، وقد تسبب هذا الفهم للوطنية بكوارث إنسانية
كالتي سببتها ألمانيا النازية حينما فضلت العنصر الألماني على غيره،
وكالصرب في البوسنة والهرسك وكوسوفو·
ثانياً: الارتباط بالوطن: هناك عدة عوامل تحتم على الانسان الارتباط بوطن، والتمسك به، والانتماء له، نذكر منها ما يلي
أ
-ئالارتباط الشعوري: فهناك حالة شعورية في الإنسان تربطه بوطنه، وتجذبه
إليه، حتى نص البعض على فطرية حب الوطن، وأنه شعور وجداني مغروز في كينونة
الإنسان، حيث ينشد الى بلده ووطنه، ويحن إليه، ويتحمل المصاعب على أرضها،
ويحس بالأمن والاطمئنان فيها·
ومن
هنا نلاحظ أن القرآن الكريمئيتحدث عن هذه العلاقة الشعورية والعاطفية
بالوطن وبالأرض، في عدة آيات منه، وينص على أن الإخراج من الوطن والنفي
يعتبر حالة من الصعاب التي يمر بها الإنسان· قال تعالى: ''··· فالذين
هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم
سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله
عنده حسن الثواب'' (آل عمران 195)·
وقال
تعالى أيضاً: '' أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدي ،
الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله'' (الحج 39-40)·
وقال:
''لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن
تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين
قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن
يتولهم فاولئك هم الظالمون'' (الممتحنة 8-9)،
فهناك
حالة من الشعور الوجداني بالارتباط بالوطن وبالأرض التي تنفس الإنسان
هواءها، وترعرع فيها، ومن هنا نرى الرسول (صلى الله عليه وسلم) يخاطب مكة:
''والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أخرجت منك ما
خرجت''، رغم المعاناة الطويلة والشاقة التي واجهها الرسول في هذه الأرض، بل
نراه كلما ذكرت له مكة يبكي اشتياقاً لها، فقد قدم ابان بن سعيد على رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا ابان كيف تركت أهل مكة؟ فقال: تركتهم
وقد جيدوا وتركت الإذخر وقد أغدق وتركت الثمام وقد خالص ، فاغرورقت عينا
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)·
ولهذا الشعور أيضاً أوصى يوسف أن يحمل جثمانه ليدفن في فلسطين ورفض فرعون تنفيذ وصيته وبعد اغراقه نقله موسى إلى فلسطين·
ويقول الشاعر:
وطني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي
وقد روى الجاحظ في رسالة الحنين إلى الوطن أن العرب كانت إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقهئ·
وكم
تباكى شعراء العرب على الأطلال حين فراقها، فإن ذلك من اصعب اللحظات
عليهم، رغم أن اوطانهم ليست ثابتة، وإنما هم يتنقلون إلى حيث الكلأ والمرعى
والماء، ولكن الألفة التي تحصل بينهم وبين الأرض تجعل الفراق صعباً·
فإذن هناك شعور وجداني بالارتباط بالوطن والحنين له·
ب
- الاتباط الإنساني: فمن عوامل الارتباط بالوطن هو الارتباط الانساني،
فالانسان من طبيعته لا يحس بقيمته الإنسانية إلا في على أرض يستشعر وطنيته
عليها، ويرتبط بها، ومن هنا حين يتغرب الانسان عن وطنه يحس بالألم والضيق
والضجر حتى لو كان ذا سعة ويسر، ومن هنا أيضاً يدافع المرء عن وطنه وقد
يموت في سبيل ذلك تماماً كما رأينا مجاهدينا وشهدائنا بل رجالنا ونسائنا
الأحرار كيف قدموا النفس والنفيس من أجل أن تحيا الجزائر الحبيبة في حرية
واستقلال وأمن وإسلام و نرى اليوم في العراق وأفغانستان وكذا على أرض
فلسطين المغتصبة الحبيبة·
يتبع