فائدة في القراءات :
من الجدير بالذكر في هذا المقام أني لاحظت أن الإمام حفصًا _ عليه سحائب
الرحمات وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً _ كانت له طريقة لطيفة في
اختياراته ، وهي أنه عندما يختار قاعدة ليسير عليها في قراءته يتعمد أن
يخالفها في موضع أو مواضع قليلة لينبه على القراءات المخالفة له :
فمثلاً :
- قاعدته أن هاء الكناية إذا سبقت بساكن لا توصل ، لكنه وصلها في موضع
الفرقان ( فيه مهانا ) ، ليبين جواز صلة هاء الكناية
- قاعدته أن هاء الكناية إذا وقعت بين متحركين توصل ، لكنه لم يصلها في
موضع الزمر ( يرضه لكم)
- قاعدته أن ذوات الياء لا تمال ، لكنه أمال ( مجراها ) ليبين جواز إمالة
ذوات الياء
- قاعدته عدم تسهيل الهمزات عند اجتماع الهمزتين ، لكنه سهل الهمزة
الثانية في ( أاعجمي ) ليبين جواز التسهيل
- قاعدته ترك السكت لكنه سكت السكتات الأربع
حتى في فرش الحروف :
- قاعدته كسر ميم ( مت ) في كل المواضع ( ياليتني مت ..، إإذا متنا ..)
لكنه ضمها في موضعي آل عمران ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ) ، ( ولئن
متم أو قتلتم ) ، بينما بقية القراء إما أن يضموا الميم في جميع القرآن أو
يكسروها في جميع القرآن .
- قاعدته في باب ( عتيا وصليا وجثيا ..) كسر فاء الكلمة لكنه خالف قاعدته
فضم فاء الكلمة في ( بكيا ) بينما باقي القراء إما أن يكسروا الجميع أو
يضموا الجميع .
وهذه الملاحظة تحتاج إلى تتبع ومقارنة أسلوبه في الاختيارات بأسلوب بقية
القراءات ، ومقارنة الاستثناءات عنده بالاستثناءات عند بقية القراء .
وهنا قد يقول قائل إن رواية شعبة _ مثلاً _ أسهل من رواية حفص لأن
قواعدهما التجويدية واحدة لكن رواية شعبة أكثر اطرادا للقواعد ، والمواضع
التي فيها خروج عن القواعد المطردة في رواية شعبة أقل منها في رواية حفص .
هذا مع تأكيدنا على أن حفصا رحمه الله وغيره من القراء ما كانوا يقرؤون
بشيء لم يقرئهم به مشايخهم بالسند المتصل إلى رسول الله عن جبريل عن رب
العالمين سبحانه ، وإنما كانوا يتخيرون من بين الأوجه الكثيرة التي قرؤوا
بها فيختارون القراءة بهذا الوجه في موضع ، وبالوجه الآخر في موضع آخر ،
وكلها كاف شاف .
رحم الله حفصا وجميع أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى وخاصته ، ونسأل
الله تعالى أن يلحقنا أجمعين بهم ، ويرزقنا حسن اتباعهم .
انتهى.