ولهذا قال الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة": "بل أقول: إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى، أعنى الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة، فإنهم ثلاثة أصناف: صنف لم يبلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم أصلاً فهم معذورون، وصنف بلغهم اسمه ونعته وما ظهر عليه من المعجزات وهم المجاورون لبلاد الإسلام والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون، وصنف ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضاً منذ الصبا أن كذاباً ملبساً اسمه محمد ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذاباً يقال له ابن المقفع تحدى بالنبوة كاذباً، فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول، فإنهم مع أنهم لم يسمعوا اسمه سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحراك راعية النظر في الطلب".
فيبدو مفهوما من كلام الغزالي أن الصنف الثاني فقط هم من عرفوا الإسلام والنبي حق المعرفة لكنهم جحدوا ذلك وأنكروه. ويبدو من كلامه كذلك أن أغلب أهل الأرض ممن تشملهم الرحمة.
فلن يُقبل منه
من الآيات التي يفهمها العديد من الناس بشكل مختزل كذلك هي آية "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، فيعتقد أن كل من لم يؤمن بالإسلام وآمن بأي دين آخر فالله لن يقبله منه وهو في النار في الآخرة، وهذا فهم قاصر للآية.
وسبب قصور هذا الفهم أن فعل "يبتغي" يعني أن يختار بعد علم ودراية، فالآية تقصد بوضوح كل من عرف الإسلام وأدرك أنه الحق، ثم اختار غيره. ولا تقصد من لم يعرف الإسلام حق المعرفة. ومن الممكن تأكيد ذلك المعني بالنظر لفعل "يبتغي" في القرآن. فعلى سبيل المثال، قال تعالى "لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ"، فقد عرف المنافقون الحق واضحاً لكنهم كرهوه واختاروا الفتنة.
كذلك، فإن كلمة "الدين" في آية "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ"، تعني الدين الذي جاء به كل الأنبياء، وهو الإيمان بالله واليوم الآخر وعمل الصالحات، ولهذا قال القرآن إن جميع الأنبياء كانوا مسلمين "قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ".
وهذا هو الدين الواحد الذي جاء به جميع الأنبياء. لكن كل نبي جاء بشريعة مختلفة، فشريعة موسى تختلف عن شريعة عيسى تختلف عن شريعة محمد. ولذلك فالآية لا تتحدث عن الشرائع بل عن الدين الواحد الذي يجمع كل هذه الشرائع، والذي يشترط الإيمان بالله واليوم الآخر وعمل الخير.
ولهذا، فإن غير المسلم، الذي يؤمن