[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ''أنتم الوحيدون من الصحف العربية التي قررنا أن نمنحها حوارا حصريا.. يا
الله بالتوفيق وسلم لي على الجزائر''.. كانت هذه آخر الكلمات التي قالها
سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد المقتول، في حوار حصري مع مبعوث ''الخبر''
إلى ليبيا أجراه ليلة 10 جويلية الماضي وصدر يوم 11 جويلية.
أسمح
لنفسي هنا بأن أذكر تقييمي الشخصي لأهم معلومة جاءت في حوار سيف الإسلام مع
''الخبر''، وهي تتعلق بالكشف عن وجود قوات فرنسية خاصة على الأرض الليبية،
وتحديدا بمنطقة الجبل الغربي (جبل نفوسة حاليا)، مهمتها التحضير للهجوم
على العاصمة طرابلس.
ويبدو أن هذه المعلومة هي التي أقامت الدنيا ولم
تقعدها، وجعلت باريس ترد بأقصى سرعة محاولة لنفيها وتكذيبها في يوم صدور
الحوار، إلى جانب تكذيب وجود مفاوضات بين نظام القذافي وبين قصر الإليزي.
لكن لسوء الحظ، جاء كلام مستشار الرئيس ساركوزي، هنري برنار ليفي، قبل
أيام، ليؤكد وجود قوات فرنسية على الأرض وليؤكد دعم باريس للثوار بالسلاح
وبالمدربين منذ بداية الأزمة.
وبالنسبة لكواليس الحوار مع سيف الإسلام،
حيث سبق لـ''الخبر'' أن كشفت عن جوانب منها، يبدو مهما العودة إلى ظروف
إجراء هذا الحوار، اليوم، بعد اعتقال نجل القذافي سيف الإسلام، آخر أبنائه
المتواجدين على التراب الليبي.
والحقيقة أن زملاء وأصدقاء كثيرين كانوا
يلحون، في كل مرة، على أن أحكي لهم كيف وصلت إلى ''عش الدبابير'' في تلك
الظروف، مع أن الأمور بالنسبة لي لم تكن تظهر صعبة كثيرا، بحكم أن ''ما وقع
قد وقع''. فقد اتخذت قراري بدخول ليبيا، ووصلت العاصمة، وأمضيت عدة أيام
وليال تحت صوت الرصاص وأزيز طائرات حلف الناتو، ودوي الانفجارات التي
تحدثها طلعاته الجوية.
يعني بعد كل هذا، لماذا الخوف من المغامرة لإجراء
حوار مع ''مسؤول ليبي كبير؟''. أنا أحكي هنا عن حديث النفس، عندما تلقيت
''تطمينات'' بوجود موافقة من أعلى السلطات الليبية لإجراء مقابلة صحفية،
لكن المصدر تحفظ على ذكر هوية من سأحاوره.
وفي الأثناء، كنت قد حضرت
مجموعة أسئلة موجهة للعقيد القذافي شخصيا، لأنه طلب مني تجهيز أسئلة
لإيصالها له والنظر فيما يمكن فعله. وفي هذه الأثناء، كنت برفقة مبعوثة
التلفزيون الفرنسي ''تي أف ''1 ليزرون بودول، التي ظلت هي الأخرى تسأل بين
الحين والآخر عن موعد إجراء الحوار مع ''سيف''. وسارت الأمور في صالحها
أخيرا وحصلت على مقابلة معه بثها التلفزيون الفرنسي بفرح شديد، لأنهم كانوا
يعتقدون أن القيادة الليبية لن تمنحهم هذا الحوار، كون ساركوزي هو من يقود
الحرب على ليبيا، بل كانوا يتخوفون من اختطاف الصحفية ليزرون بودول،
وجعلها رهينة.
مفاوضات عسيرة للحصول على الحوار
بالنسبة لي، كنت
واضحا في طلباتي مع مصادري في العاصمة طرابلس، حيث قلت: ''إذا كنتم تريدون
مساعدتي فعلا، فأنا أرى أنكم تمنحون وسائل الإعلام الأجنبية حوارات
ومقابلات حصرية، لكنكم لم تمنحوا وسيلة إعلام عربية هذا الكم الهائل من
الحوارات''. تلقيت إجابة تقول: ''مشكلتنا مع الدول الغربية التي تحاربنا
ويهمنا إيصال الرسالة لهم''.
وطبعا لم أقتنع بهذا التبرير وأصررت على
مقابلة العقيد القذافي نفسه، لكن طلبي قوبل بالضحك والاستغراب. وردا على
ذلك، أوضحت أنني ''أقبل بإجابة مكتوبة بخط يد العقيد على أسئلة الحوار،
حفاظا على مصداقية الحوار والجريدة، مع احتفاظي بحق مقابلة ما دون القذافي
من أبناء ومسؤولين''.
وكان علي الانتظار حوالي يومين أو أكثـر لأحصل على
إجابة ''موافق'' من طرف متحدث باسم العقيد القذافي، ليجيب عن الأسئلة
مكتوبة، وإن أمكن ستكون المقابلة وجها لوجه. لكن المشكلة كانت مرتبطة
بالوقت، فموعد السفر والعودة قد حان، ولم يبق في يدي سوى يوم واحد على ما
أذكر.وخلال العشية، وعندما كنت أتبادل الحديث بفندق ''ريكسوس غابة النصر''
مع زملاء صحفيين جزائريين يعملون لحساب وسائل إعلام دولية، تلقيت اتصالا
على هاتفي النقال من شخص يقول بنبرة حازمة وسريعة: ''أستاذ، هل تستطيع أن
تأتي الآن وبسرعة''، أجبته بسرعة: ''نعم''، فقال: ''ستأتي سيارة إلى الفندق
الآن..''. ودّعت زملائي الصحفيين الجزائريين، وأشرت تحديدا إلى الزميل
لمين شيخي، مبعوث وكالة رويترز ''أنني ذاهب لأمر مهم''، ويبدو أنه فهم وقال
''اتكل على ربي''.
وفي الطريق لإجراء المقابلة، لم أكن أعرف من سأقابل
بعد، ولكنني حضرت نفسي لمقابلة العقيد القذافي نفسه، فأخذت معي نسخة
الأسئلة التي جهزتها لمحاورته، وأوصلتني السيارة إلى مكان في وسط العاصمة
طرابلس، لأجد هناك ثلاثة أشخاص من كبار المسؤولين، بينهم الوجه المعروف
نائب وزير الخارجية الليبي في عهد القذافي، خالد الكعيم، الذي قبض عليه هو
الآخر قبل مدة.
بعدها، ركبنا سيارة أخرى ظلت تتجول بنا في أحياء طرابلس
لمدة فاقت الساعة من الزمن، وشخصيا لم يكن يشغلني الأمر كثيرا نظرا للجو
''الأخوي'' الذي كان يسود السيارة، فقد فتحنا باب الحديث، ولم أحس بالخوف
فعلا إلا عندما وصلنا إلى مكان خال من الحركة، وهناك انتظرنا مدة معتبرة من
الزمن. وسبب الخوف هو قدوم سيارة بالقرب منا ونزول أشخاص قاموا بنقل أسلحة
لأشخاص آخرين في سيارة أخرى. وما زاد في الخوف هو خوف من كان معي، لأننا
كنا ننتظر ''الدليل'' وليس هؤلاء.
سيف الإسلام كان هادئا والحوار جرى في ثكنة عسكرية
لكن
الأمور سارت بسلام بعدما غادرت السيارتان بسرعة كبيرة دون أن يكترثوا لنا
أصلا، قبل أن يصل ''الدليل''، الذي أشار لنا بضوء سيارته، وتبعناه إلى
المكان المعلوم.
المكان (وهو ما لم أشر له في مقال سابق عن كواليس
الحوار) كان عبارة عن ثكنة عسكرية كبيرة، وكانت في انتظارنا سيارة ''بي أم
دابليو'' سوداء عند المدخل، لتقودنا إلى أحد الأبنية. نزلت من السيارة وسط
عدد كبير من الحراس بالإضافة إلى مرافقي الثلاثة. وعند الباب استقبلني سيف
الإسلام، وكنت قبل لحظات أعتقد أنه العقيد القذافي نفسه.
كان سيف
الإسلام مبتسما وهو يشد على يدي قائلا: ''شنو لاحوال'' أي كيف الحال
باللهجة الليبية، وأدخلني قاعة اجتماعات، بينما انزوى هو مع أشخاص آخرين في
أحد المكاتب، وانتظرت لبعض الوقت، تم خلالها نقلي لمكتب مجاور في نفس
البناية.
كان الجو مشحونا طبعا، وكانت الساعة تقترب من الحادية عشرة
ليلا، وبعدها دخل سيف الإسلام، وأخذ مكانه بجنبي، وسألني عن أحوال الجزائر
والجزائريين. من جهتي، كنت مهتما أكثـر بإجراء الحوار قبل وقوع قصف ما،
وقبل حدوث تطورات قد تقطع إجراء الحوار قبل بدايته أو في وسطه. وكان علي
تغيير الأسئلة التي كانت بحوزتي لأنها كانت موجهة بالأساس لوالده العقيد.
وخلال
جلسة الحوار التي دامت حوالي الساعة، بدا سيف الإسلام واثقا من نفسه،
وواثقا من الانتصار على حلف الناتو، وربما كانت هذه ''النشوة'' بسبب جمعة
الفاتح جويلية الماضي، التي خرج فيها الليبيون بالآلاف، لأول مرة، نصرة
لنظام العقيد، وأعطت هذه الجمعة جرعة ثقة كبيرة لنظام القذافي، ومنهم سيف
الإسلام، لمواصلة الحرب.
كان سيف مقتنعا تماما بأن فرنسا وساركوزي، وعدم
إتمام صفقتي المفاعل النووي وطائرات الرافال تحديدا هي أسباب هذه الحرب
التي انخدع بها العالم، وتورط فيها الإعلام. كان سيف الإسلام يصر عليّ أن
أوضح بأن الـ''خيانة'' التي حصلت في غيابه على ليبيا التي خرج منها مكرها
عام 2008، هي التي أرجعته للوقوف في وجه ''الخونة'' كما سماهم.