عطاء بلا حدود وعزيمة لا تعرف اليأس 2011.11.17
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ونحن نستقبل عاماً هجرياً جديداً
تطالعنا الآمال في نهوض الأمة الإسلامية من كبوتها وعثراتها لتقوى على
التصدي للتحديات والأزمات التي تواجهها وما أكثرها في عالم اليوم المليء
بالصراعات.
ولقد ضرب صحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الذين هاجروا معه أروع المثل في صنع تاريخ الأمة وكيانها ومكانتها من خلال
عطائهم بلا حدود وشجاعتهم وصمودهم بعزيمة لا تلين ولا تعرف اليأس.. فواجهوا
بكل ثبات وقوة كل التحديات وانتصروا عليها.. وحققوا بطولات رائعة سجلها
لهم التاريخ بأحرف من نور.. فهل تستفيد الأمة الإسلامية من بطولات هؤلاء
الرجال ومن دروس هؤلاء العظماء!!
الهجرة الآن ليست مجرد نقله من مكان إلى
مكان.. لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “لا هجرة بعد الفتح”.. والهجرة
المطلوبة الآن.. هي نقلة بالنفس الإنسانية من طبيعة النفس الأمَّارة بالسوء
إلي مرتبة النفس اللوَّامة التي تفتش في مسيرة حياتها لتتجنب عوامل الضعف
وأسباب الانحراف حتى ترقي إلى مرتبة النفس المطمئنة التي تنادي من قبل الحق
تبارك وتعالي “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي
في عبادي وادخلي جنتي”.
ما هي الهجرة النبوية؟
الهجرة النبوية هي عبارة عن انتقال النبي
صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد أن قرر
المشركون قتله، وإليه الإشارة بقوله تعالى:”وإذ يمكر بك الذين كفروا
ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين”،
وذلك حينما أذِن الله لرسوله بالهجرة، قال الله تعالى في سورة الحج:”إن
الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوان كفور، أُذنَ للذين
يُقَاتلُون بأنهم ظُلِمُوا، وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أُخرجوا من
ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله”. وقد هاجر النبي عليه الصلاة
والسلام ومعه الصحابة طلبا للتمكين لدينهم وإعزازه، وبحثا عن مكان يعبدُون
فيه ربهم بكل اطمئنان، وعن أنصار يحمون النبي صلى الله عليه وسلم مما يحمون
منه نساءهم وأبناءهم وأموالهم، وذلك بعد بعثته صلى الله عليه وسلم بثلاث
عشرة سنة.
المنهج الإلهي
أضف أن الهجرة على المستوى الاجتماعي اليوم
تعني النقلة الاقتصادية والاجتماعية إلى آفاق المنهج الإلهي، الذي أنزل
الله عز وجل ليقوم الناس بالقسط وكلا النوعين النقلة النفسية والنقلة
الاجتماعية هي التطبيق العملي لقول الله تبارك وتعالى “ففروا إلى الله إني
لكم منه نذير مبين”.
وأن هجرة الرسول وصحبه من مكة إلى المدينة
تذكرنا بأن تحقيق النصر لابد فيه من الأخذ بالأسباب التي وضعها الله في
أيدي البشر. ومحال أن يهب الله نصراً لخامل أو كسول أو جبان. لم ينفض غبار
الذل والهوان والضعف عن نفسه. وفي الهجرة ضرب الرسول وأصحابه أروع الأمثال
في الأخذ بالأسباب. والتضحية بكل غال ونفيس فمكنهم الله في الأرض. ورد عنهم
كيد أعدائهم فأقاموا دولة شامخة في الأرض أصلها ثابت وفرعها في السماء
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.. والأمة في هذا العصر لن تفك أسرها من أيدي
أعدائها إلا بالسير على الدروب التي ساروا فيها بأن توحد صفها وتجمع أمرها
على قلب رجل واحد وتمحو عوامل التفرق التي فرقتها وشتتتها وهونتها على
أعدائهم..
الهجرة دواء قوي يعالج أدواء المجتمع من
فرقة وتمزق وضعف وفقر ومرض وجهل وأمية ثقافية تستشري في المجتمع.. وهي
أيضاً باب فسيح ونافذة مستنيرة من أجل أن تكون لنا ثقافة واعية ووعي
ثقافي.. قال: إنه مما لاشك فيه أن الهجرة واجهت تحديات حولت العالم من جمود
إلى حركة ومن فوضى إلى نظام ومن مهانة حيوانية إلي كرامة إنسانية.. نعم
أيها إنسانية الكرامة وحركة العالم الذي هو مليء بالأحقاد والكراهية وسفك
الدماء والصراعات اللامتناهية والدمار والأطماع البشرية.. هذه تحديات لابد
وأن نقف أمامها بقوة وشجاعة وصلابة رأي في غير تطرف أو عصبية أو دمار لمن
حولنا.
الهجرة ومعانيها المتجدّدة
هذه الهجرة التي يفر بها المسلم بدينه خوفا
عليه، والتي من أجلها يترك ماله ووطنه وتجارته معنى متجدد على مر العصور
والدهور، ويمكن الاستئناس في ذلك بقوله عز وجل: “قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ
وأَبْنَاؤُكُمْ وإخْوَانُكُمْ وأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ومَسَاكِنُ
تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي
سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ واللَّهُ لا
يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ”.
ولعل هذا المعنى هو الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”، ولو في ذلك هجرة المكان.
ومن القديم حكى النبي صلى الله عليه وسلم
لنا قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، واستفتى أعبد أهل الأرض، فجهل،
وأضله بإفتائه ألا توبة له، فقتله، وأكمل به المائة، ثم استفتى أعلم أهل
الأرض، فدلّه على الهجرة سبيلا للتوبة، والحفاظ على الدين فهاجر، ثم مات في
الطريق؛ فكان ما كان من خصام الملائكة حوله، وأخذ ملائكة الرحمة له؛ ليكون
من عباد الله المرحومين، بعد أن سلك طريق الهجرة.
وحين تكون الهجرة لله فرارا بالدين، تتصاغر
أمامها شهوات النفس كلها، من المال والجاه والأرض وغير ذلك، وهذا ما حدث مع
صهيب الرومي -رضي الله عنه-، فقد أراد الهجرة للنبي -صلى الله عليه وسلم-
فاعترضه أهل مكة، وقد كان صهيب عبدا، فكاتب سيده، وأصبح حرًّا، ثم أصبح
تاجرا، فساومه أهل مكة على غناه وتجارته، فترك لهم دنياه، لينال رضا الله
تعالى، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فرح به قائلا: “ربح البيع
أبا يحيى”.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
"اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد"