يتردد في أوساط متابعة بدمشق (أن سوريا ستدخل الصراع إذا اقتربت إسرائيل منها بشكل يهدد أمنها القومي ) وهناك من يعتبر أن دخول سوريا يعني دخول الجيش السوري إلى لبنان , لأن وصول الجيش الإسرائيلي إلى مناطق معينة يجعل دمشق مهددة بالسقوط ... وهذا التهديد خط أحمر بالنسبة لسوريا وجيشها , وتؤكد هذه الأوساط المتابعة أن استعدادات الجيش السوري لمثل هذا الاحتمال كبيرة ,خاصة وأن دوائر القرار السوري تشعر بالاستهداف الإسرائيلي الاميركي لأمنها منذ صدور القرار 1559 وعبر البوابة اللبنانية.
وعندما سألت أحد الباحثين الاستراتيجيين في سوريا إن كان هذا التخوف السوري هو وراء تزويدها حزب الله بالأسلحة الصاروخية ,أجابني وبثقة في تقديري أن ما قدمته سوريا لحزب الله من سلاح متطور لم يستعمله الحزب بعد وعندما يتم استعماله سيشكل مفاجأة لإسرائيل.
وأكد الباحث الاستراتيجي أن سوريا لا تستبعد أن تقدم إسرائيل على حماقة جديدة باستهداف بعض الأهداف السورية , ولكن في مثل هذه الحالة –يقول الباحث –إن سوريا سترد في أعمق ما يوجع إسرائيل وأمنها ...
وحسب معلومات هذا الباحث , فإن سوريا تتابع وتدرس إخفاقات الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهداف حقيقية في لبنان خلال حربها لما يقارب الأسبوعين بالرغم من التدمير العشوائي الذي أحدثته ,وهكذا فإن سوريا تعتبر أن القوة التدميرية لإسرائيل ضعفت كثيرا خلال حربها على لبنان كما أن عماها وإخفاقها المخابراتي والعملياتي في تحقيق أهداف استراتيجية حقيقية جعلها عرجاء ومشوهة القوة وفي هذه الحالة فإن ما لدى سوريا من سلاح صاروخي متطور وغير تقليدي سيجعل الضربة السورية موجعة ,كما أن التسليح البري السوري قادر وبامتياز على مواجهة القوات البرية الإسرائيلية البرية ,وهكذا وبعد دخول الجيش السوري فإن إسرائيل المتوغلة في لبنان ستصبح بين فكي كماشة طرفها الأول المقاومة اللبنانية وحزب الله ,وفكها الآخر الجيش السوري .
وقد أخبرتني مراسلة لإحدى المحطات الاميركية ,بأنه فوجئت بمدى لهفة السوريين لاستقبال واستضافة المهجرين اللبنانيين واستغربت كيف نسي السوريون الإجحاف الذي لحق بهم أثناء مظاهرات 14 آذار .
وفي تجوالها من الحدود على معبر المصنع إلى المدارس حيث استضيف المهجرون اللبنانيون إلى البيوت التي استقبلت العائلات اللبنانية المهجرة ,في تجوالها هذا ألح على المراسلة سؤال عن مدى العلاقة بين الشعبين السوري واللبناني ,وحاولت حل دهشتها بتفسيرات سياسية ,ولكن ظل ما شاهدته ولمسته أكبر من أي تفسير أو تبرير وهذا التداخل والتعاضد بين الشعبين السوري واللبناني هو دفع السوريين للخروج الى الشوارع والهتاف للمقاومة مع كل نصر تحققه ضد إسرائيل ,...كل ذلك جعل الباحث الاستراتيجي يعتبر أن الشعب السوري مثل الشعب اللبناني بات مسكونا ومشحونا بحس المقاومة ومندفعا لاسترداد كرامته وسيادته وحريته عبر التصدي لإسرائيل ومقاومتها والرد عليها بشكل قوي.
المراسلة استغربت ما يقوله الباحث الاستراتيجي , خاصة وأن وزيرة الخارجية الاميركية أكدت أن (خطتها الدبلوماسية تتضمن عنصرا سوريا ...) وأن (سوريا لن يسمح لها بالعودة إلى لبنان ) وحسب المراسلة الاميركية فإن المجتمع الدولي لن يسمح لها لسوريا بأي فعل أو فعالية في المنطقة ,وبهدوء وثقة رد الباحث الاستراتيجي على المراسلة (يا سيدتي عندما يكون المجتمع الدولي ممثلا لإسرائيل ومصالحها وعندما تتعرض سوريا لتهديد في أمنها القومي وأمن مدنها وشعبها فإنها لن تنتظر رأي المجتمع الدولي المنساق أصلا وراء إسرائيل ) .
وردت المراسلة بقوة , ولكن , هل تقبل الحكومة اللبنانية بدخول الجيش السوري ... فجاء الرد من أحد الشباب الجامعيين (أن إسرائيل هي من لن يقبل .... إسرائيل ..وصدقيني أن كل من يرفض التصدي للعدوان والاحتلال يكون جزءا من إسرائيل , وإذا كانت آلة التدمير الإسرائيلية هي مقدمة العدوان ,فإن من يرفض مقاومتها والتصدي لها هو قفا هذه الآلة وقفا هذا العدوان الإسرائيلي )
دهشت المراسلة مما سمعت , وأحست بحقيقة ما يجري وراء الصمت السوري , والهدوء العسكري السوري , أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة , كما استنتجت المراسلة .