نور الهدى المشرفة العامة
عدد المساهمات : 16373 تاريخ التسجيل : 02/10/2009 العمر : 41
| موضوع: اقبلِ الحياة كما هي 24/10/2010, 1:51 pm | |
| اقبلِالحياة كما هي
[center]اقبلِ الحياة كما هي حالُ الدنيا منغصةُ اللذاتِ ، كثيرةُ التبعاتِ ، جاهمةُ المحيَّا ، كثيرةُ التلوُّنِ ، مُزِجتْ بالكدرِ ، وخُلِطتْ بالنَّكدِ ، وأنت منها في كَبَد . ولن تجد والداً أو زوجةً ، أو صديقاً ، أو نبيلاً ، ولا مسكناً ولا وظيفةً إلاَّ وفيه ما يكدِّرُ ، وعنده ما يسوءُ أحياناً ، فأطفئ حرَّ شرِّهِ ببردِ خيْرِهِ ، لتنْجُوَ رأساً برأس ، والجروحُ قصاصٌ . أراد اللهُ لهذه الدنيا أن تكون جامعةً للضدينِ ، والنوعين ، والفريقين ، والرأيين خيْرٍ وشرٍ ، صلاحٍ وفسادٍ ، سرورٍ وحُزْنٍ ، ثم يصفو الخَيْرُ كلُّهُ ، والصلاحُ والسرورُ في الجنةِ ، ويُجْمَعُ الشرُّ كله والفسادُ والحزنُ في النارِ . في الحديث : (( الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرُ اللهِ وما والاهُ وعالمٌ ومتعلمٌ )) فعشْ واقعكَ ولا تسرحْ من الخيالِ ، وحلّقْ في عالمِ المثالياتِ ، اقبلْ دنياكَ كما هي ، وطوِّع نفسك لمعايشتها ومواطنتِها ، فسوف لا يصفو لك فيها صاحبٌ ، ولا يكملُ لك فيها أمرٌ ، لأنَّ الصَّفْوَ والكمال والتمام ليس من شأنها ولا منْ صفاتِها . لن تكمل لك زوجةٌ ، وفي الحديث : (( لا يفركُ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )) . فينبغي أنْ نسدد ونقارب ، ونعْفُوَ ونصْفحَ ، ونأخُذ ما تيسَّرَ ، ونذر ما تعسَّر ونغضَّ الطَّرْف أحياناً ، ونسددُ الخطى ، ونتغافلُ عن أمورٍ . ******************************************
تعزَّ بأهلِ البلاءِ تَلَفَّتْ يَمْنَةً ويَسْرَةً ، فهل ترى إلاَّ مُبتلى ؟ وهل تشاهدُ إلاَّ منكوباً في كل دارٍ نائحةٌ ، وعلى كل خدٍّ دمْعٌ ، وفي كل وادٍ بنو سعد . كمْ منَ المصائبِ ، وكمْ من الصابرين ، فلست أنت وحدك المصاب ، بل مصابُكَ أنت بالنسبةِ لغيرِك قليلٌ ، كمْ من مريضٍ على سريره من أعوامٍ ، يتقلبُ ذات اليمينِ وذات الشِّمالِ ، يَئِنُّ من الألمِ ، ويصيحُ من السَّقم . كم من محبوس مرت به سنوات ما رأى الشمس بعينه ، وما عرف غير زنزانته . كمْ من رجلٍ وامرأةٍ فقدا فلذاتِ أكبادهِما في ميْعَةِ الشبابِ وريْعانِ العُمْرِ . كمْ من مكروبٍ ومدِينٍ ومُصابٍ ومنكوبٍ . آن لك أن تتعزّ بهؤلاءِ ، وأنْ تعلم عِلْمَ اليقين أنِّ هذه الحياة سجْنٌ للمؤمنِ ، ودارٌ للأحزانِ والنكباتِ ، تصبحُ القصورُ حافلةً بأهلها وتمسي خاويةً على عروشها ، بينها الشَّمْلُ مجتمِعٌ ، والأبدانُ في عافية ، والأموالُ وافرةً ، والأولادُ كُثرٌ ، ثمَّ ما هي إلاَّ أيامٌ فإذا الفقرُ والموْتُ والفراقُ والأمراضُ ﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴾ فعليك أن توطِّن مصابك بمنْ حولك ، وبمن سبقك في مسيرةِ الدهرِ ، ليظهر لك أنك معافىً بالنسبة لهؤلاءِ ، وأنه لم يأتك إلا وخزاتٌ سهلةٌ ، فاحمدِ الله على لُطْفهِ ، واشكره على ما أبقى ، واحتسِبْ ما أخذ ، وتعزَّ بمنْ حولك . ولك في الرسول r قدوةٌ وقدْ وُضعِ السَّلى على رأسِهِ ، وأدمِيتْ قدماه وشُجَّ وجهُه ، وحوصِر في الشِّعبِ حتى أكل ورق الشجرِ ، وطُرِد من مكَّة ، وكُسِرتْ ثنيتُه ، ورُمِي عِرْضُ زوجتِهِ الشريفُ ، وقُتِل سبعون من أصحابهِ ، وفقد ابنه ، وأكثر بناتِه في حياتهِ ، وربط الحجر على بطنِه من الجوعِ ، واتُّهِم بأنهُ شاعِرٌ ساحِرُ كاهن مجنونٌ كاذبٌ ، صانُهُ اللهُ من ذلك ، وهذا بلاءٌ لابدَّ منهُ وتمحيصٌ لا أعظم منهُ ، وقدْ قُتِل زكريَّا ، وذُبِح يحيى ، وهُجّرَ موسى ووضع الخليلُ في النارِ ، وسار الأئمةُ على هذا الطريق فضُرِّج عُمَرُ بدمِهِ ، واغتيل عثمانُ ، وطٌعِن عليٌ ، وجُلِدَتْ ظهورُ الأئمةِ وسُجِن الأخيارُ، ونكل بالأبرار ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ﴾. ********************************
الصلاة .. الصلاة
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ إذا داهمك الخَوْفُ وطوَّقك الحزنُ ، وأخذ الهمُّ بتلابيبك ، فقمْ حالاً إلى الصلاةِ ، تثُبْ لك روحُك ، وتطمئنَّ نفسُك ، إن الصلاة كفيلةٌ – بأذنِ اللهِ باجتياحِ مستعمراتِ الأحزانِ والغمومِ ، ومطاردةِ فلولِ الاكتئابِ . كان r إذا حزبَهُ أمرٌ قال : (( أرحنا بالصلاةِ يا بلالُ )) فكانتْ قُرَّةَ عينِهِ وسعادتهُ وبهجتَهُ . وقد طالعتُ سِيرُ قومٍ أفذاذٍ كانتْ إذا ضاقتْ بهم الضوائقُ ، وكشَّرتْ في وجوههمُ الخطوبُ ، فزعوا إلى صلاةٍ خاشعةٍ ، فتعودُ لهم قُواهُمْ وإراداتُهم وهِمَمُهُمْ . إنّ صلاة الخوفِ فُرِضتْ لِتُودَّى في ساعةِ الرعبِ ، يوم تتطايرُ الجماجمُ، وتسيلُ النفوسُ على شفراتِ السيوفِ ، فإذا أعظمُ تثبيتٍ وأجلُّ سكينةٍ صلاةٌ خاشعةٌ . إنَّ على الجيلِ الذي عصفت به الأمراضُ النفسيةُ أن يتعرّفَ على المسجدِ ، وأن يمرّغَ جبينَهُ لِيُرْضِي ربَّه أوَّلاً ، ولينقذ نفسهُ من هذا العذابِ الواصِبِ ، وإلاَّ فإنَّ الدمع سوف يحرقُ جفْنهُ ، والحزن سوف يحطمُ أعصابهُ ، وليس لديهِ طاقةٌ تمدّهُ بالسكينةِ والأمنِ إلا الصلاةُ . من أعظمِ النعمِ – لو كنّا نعقلُ – هذهِ الصلواتُ الخمْسُ كلَّ يومٍ وليلةٍ كفارةٌ لذنوبِنا ، رفعةٌ لدرجاتِنا عند ربِّنا ، ثم هي علاجٌ عظيمٌ لمآسينا ، ودواءٌ ناجِعٌ لأمراضِنا ، تسكبُ في ضمائرِنا مقادير زاكيةً من اليقين ، وتملأُ جوانحنا بالرِّضا أما أولئك الذين جانبوا المسجد ، وتركوا الصلاة ، فمنْ نكدٍ إلى نكدٍ ، ومن حزنٍ إلى حزنٍ ، ومن شقاءٍ إلى شقاءٍ ﴿فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ . *****************************
حسبنا الله ونعم الوكيل تفويضُ الأمرِ إلى اللهِ ، والتوكلُ عليهِ ، والثقة بوعدِهِ ، والرضا بصنيعهِ وحُسنُ الظنِّ بهِ ، وانتظارُ الفرجِ منهُ ؛ من أعظمِ ثمراتِ الإيمانِ ، وأجلِّ صفاتِ المؤمنين ، وحينما يطمئنُّ العبدُ إلى حسنٍ العاقبةِ ، ويعتمدُ على ربِّهِ في كلِّ شأنِه ، يجد الرعاية ، والولاية ، والكفاية ، والتأييدَ ، والنصرةَ . لما ألقي إبراهيمُ عليه السلامُ في النارِ قال : حسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ ، فجعلها اللهُ عليه برْداً وسلاماً ، ورسولُنا r وأصحابُه لما هُدِّدُوا بجيوشِ الكفار ، وكتائبِ الوثنيةِ قالوا : ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾. إنَّ الإنسان وحده لا يستطيعُ أنْ يصارع الأحداث ، ولا يقاوم الملمَّاتِ ، ولا ينازل الخطوبَ ؛ لأنه خُلِقَ ضعيفاً عاجزاً ، إلا حينما يتوكلُ على ربِّه ويثقُ بمولاه ، ويفوِّضُ الأمرَ إليه ، وإلا فما حيلةُ هذا العبدِ الفقيرِ الحقيرِ إذا احتوشتْهُ المصائب ، وأحاطتْ به النكباتُ ﴿ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ . فيا من أرادَ أن ينصح نفسه : توكلْ على القويِّ الغنيِّ ذي القُوَّةِ المتين ، لينقذك من الويلاتِ ، ويخرجك من الكُرُباتِ ، واجعلْ شعِارَك ودثارَكَ حسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ ، فإن قلَّ مالُك ، وكثُرَ ديْنُك ، وجفَّتْ موارِدك ، وشحّتْ مصادِرُك ، فنادِ : حسبُنا اللهِ ونِعْمَ الوكيلُ . وإذا خفتَ من عدوٍّ ، أو رُعبْتَ من ظالِمٍ ، أو فزعت من خَطْبٍ فاهتفْ : حسبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل . ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ﴾ . **********************************
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ﴾ مما يشرحُ الصَّدْرَ ، ويزيحُ سُحُب الهمِّ والغمِّ ، السَّفَرُ في الديارِ ، وقَطْعُ القفارِ ، والتقلبُ في الأرضِ الواسعةِ ، والنظرُ في كتابِ الكونِ المفتوحِ لتشاهد أقلام القدرةِ وهي تكتبُ على صفحاتِ الوجودِ آياتِ الجمالِ ، لترى حدائق ذات بهجةٍ ، ورياضاً أنيقةً وجناتٍ ألفاً ، اخرجْ من بيتكَ وتأملْ ما حولك وما بين يديك وما خلفك ، اصْعَدِ الجبال ، اهبطِ الأودية ، تسلّقِ الأشجارَ ، عُبَّ من الماءِ النميرِ ، ضعْ أنفك على أغصانِ الياسمين ، حينها تجدُ روحك حرةً طليقةً ، كالطائرِ الغرّيدِ تسبحِّ في فضاءِ السعادةِ ، اخرجْ من بيتِك ، ألقِ الغطاء الأسودَ عن عينيك ، ثم سرْ في فجاجِ اللهِ الواسعةِ ذاكراً مسبحاً . إنَّ الانزواء في الغرفةِ الضيّقةِ مع الفراغِ القاتل طريقٌ ناجحٌ للانتحارِ ، وليستْ غرفتك هي العالمُ ، ولست أنت كلَّ الناسِ فَلِمَ الاستسلامُ أمام كتائبِ الأحزان ؟ ألا فاهتفْ ببصرِك وسمعِك وقلبِكَ : ﴿انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً﴾، تعال لتقرأ القرآن هنا بين الجداولِ والخمائِل ، بَيْنَ الطيورِ وهي تتلو خُطَبَ الحبِّ ، وبَيْنَ الماءِ وهو يروي قصة وصولهِ من التلِّ . إن التَّرحْالَ في مساربِ الأرض متعةٌ يوصِي بها الأطباءُ لمن ثَقُلَتْ عليه نفسُهُ ، وأظلمتْ عليهِ غرفتهُ الضيقةُ ، فهيَّا بنا نسافْر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبّر ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ﴾ . ************************************
فصبرٌ جميلٌ التحلِّي بالصبر من شيمِ الأفذاذِ الذين يتلقون المكاره برحابةِ صَدْرٍ وبقوةِ إرادةٍ ، ومناعةٍ أبيَّة . وإنْ لم أصبرْ أنا وأنت فماذا نصنعُ ؟! . هل عندك حلٌّ لنا غيرُ الصبرِ ؟ هل تعلم لنا زاداً غيرَهُ ؟ كان أحدُ العظماءِ مسرحاً تركضُ فيه المصائبُ ، وميداناً تتسابقُ فيهِ النكباتُ كلما خرج من كربةٍ زارتهُ كربةٌ أخرى ، وهو متترسٌ بالصبرِ ، متدرّعٌ بالثقةِ باللهِ . هكذا يفعلُ النبلاءُ ، يُصارعون الملمّاتِ ويطرحون النكباتِ أرضاً . دخلوا على أبي بكر -رضي اللهُ عنهُ- وهو مريضٌ ، قالوا : ألا ندعو لك طبيباً ؟ قال : الطبيبُ قد رآني . قالوا : فماذا قال ؟ قال : يقولُ : إني فعَّالٌ لما أريدُ . واصبرْ وما صبرُك إلاَّ باللهِ ، اصبرْ صَبْرَ واثقٍ بالفرجِ ، عالم بحُسْنِ المصيرِ ، طالبٍ للأجرِ ، راغبٍ في تفكيرِ السيئاتِ ، اصبرْ مهما ادلهمَّت الخطوبُ ، وأظلمتِ أمامك الدروبُ ، فإنَّ النصر مع الصَّبْرِ ، وأنَّ الفرج مع الكَرْبِ ، وإن مع العُسْرِ يُسْراً . قرأتُ سير عظماءٍ مرُّوا في هذه الدنيا ، وذهلتُ لعظيمِ صبرِهِمْ وقوةِ احتمالِهم ، كانت المصائبُ تقعُ على رؤوسِهم كأنَّها قطراتُ ماءٍ باردةٍ ، وهم في ثباتِ الجبالِ ، وفي رسوخِ الحقِ ، فما هو إلاَّ وقت قصيرٌ فتشرقُ وجوهُهم على طلائع فجرِ الفرجِ ، وفرحةِ الفتحِ ، وعصرِ النصرِ . وأحدُهم ما اكتفى بالصبرِ وَحْدَهُ ، بل نازَلَ الكوارِث ، وصاحَ في وجهِ المصائبِ مُتحدِّياً . ***************************************[/center] | |
|