قصيدة رائعة جدا للشاعر عبد الرحمن العشماوي
فتى فلسطيني يتحدث
مساء الخير يا وطني ..
أتيتك انقش الإصرار في بوابة الزمن
أتيتك ..
هيبة التاريخ من خلفي
ونور الحق يطرد من أمامي ظلمة الفتن
أتيتك ..
أحمل الرشاش في كف
وفي أخرى حملت لفافة الكفن
مساء الخير يا وطني ...
لقد سيرت في بحر المآسي أعظم السفن
ملأت فؤادي الخاوي بنور الله
كي أحميك يا وطني
أتيتك والرؤى البيضاء تتبعني
أتيتك ..
والهواء الطلق يعزفني
أتيتك بلبلاً يشدو
يثير كوا من الفنن
أتيتك .. أيها الغالي .
نشيداً يعربي اللحن ثغر المجد ينشدني
أتيتك ....
بعد أعوام من الإخلاد والتضليل .. يا وطني ..
مساء يا وطني
مساء شريعة سمحة
مساء الخير والإيمان والفرحة
مساء الريح ...
حين يظل يندب غيرنا ريحه
مساء قوافل الإيمان
تفتح صفحة في دفتر الأمجاد
تأتي بعدها صفحة
مساء الخير يا وطني
وعذراً ...
إن سردت حكايتي وكشفت عن شجني
وإن حملت سري ما يفر به
إلى علني
وإن ناديت قومي في تخوم الشام واليمن
وفي مصر وبغداد وأرض المغرب العربي
أو عدن
وفي أرض الجزيرة مهبط الوحي المبين
وشامة الزمن
أناديهم ..
أحدثهم بما جلب العدو إليك يا وطني
دعوني يا بني قومي أحدثكم ..
ففي قلبي جراح ما لا آخر
وفي نفسي خرائط حسرة
مازال يرسمها لي الغادر
وفي عيني رؤى بحر
وفي سمعي صدى من وجه الهادر
دعوني يا بني قومي أحدثكم عن الماضي
وماذا يطلب الحاضر
دعوني يابني قومي أحدثكم عن الباغي
وما جلبت يداه إلى فلسطين
عن الرشاش يأكل صدر مسكين
دعوني .. يابني قومي أحدثكم
عن الآهات في وجدان زيتون
عن الدمع الذي يجري
دماً في مقلة التين
عن الإجرام ..
كيف يعشش الإجرام فيفي أهداب صهيون
سأنطق – يابني قومي –
وسوف أقيل هذا الصمت
من كرسي منصبه
وسوف أجرد "النمرود" من أثواب سلطته
وأحرق وجه موكبه
وسوف أحدث الدنيا
بما فعل الطغاة بنا
فكم شربوا وكم أكلوا
وكم بصقوا على وجهٍ وكم قتلوا
وكم لثموا على نخب انتكاستنا
كؤوس الخمر واحتلوا
وكم وجلوا ..
ولكنا سكنا كهف فرقتنا ..
فما وجلوا
وكم وصلوا ..
لأنا لم نقف في دربهم
وصلوا
وكم ذهلوا ...
لأنا لم نحرك ساكناً
ذهلوا .
تعالوا يابني قومي ..
لكي تتعلموا في أرضنا لغة الجراح
ومنطق الحسرة
وحتى تأخذوا من حالتنا عبرة
وحتى تأكلوا من خيرنا
كسرة
تعالوا ..
وأقرؤوا في وجه ليلى قصة العسره
تعالوا ..
لن تموتوا- يا أباه الضيم – من جوع
فإن جياعنا سيقدمون لكم طعاماً
دونما أجره
ولا تخشوا على أجسامكم برداً
فسوف يقدم الأيتام من أطمارهم لحفا
ولكن – يابني قومي-
أنا منكم وفيكم مسلم ولساني الفصحى
وقد تمحى جميع مظاهر الدنيا
وإيماني برب الكون
لا يمحى
أنا منكم وفيكم
غير أن الجرح ينجب في دمي جرحا
ونار الحزن تلقح
خاطري لفحا
أنا منكم وفيكم
سوف ألقاكم مساء يا بني قومي
إذا فارقتكم صبحا
تعالوا ...
وامتطوا خيل التذكر نحو ماضينا
لعل تذكر الماضي
يجمعنا ويدنينا
متعوا أنظاركم
واستذكروا "بدراً" أو"حنيناً"
تعالوا ..
سوف أخبركم بأني – يا بني قومي –
إذا ما داعب التاريخ ذاكرتي
شممت مفاخر الأمه
رأيت المجد يضحك في مرابعها .
وينسى عندها همة
وأبصرت اللحى
وعمائم الأبطال
في القمة
رأيت الليل ينسى في مدى أنوارها الظلمة
دعوني – يا بني قومي –
دعوني أخبر القمر المنير بلهمة النجمة
وأغسل بالدماء
نجاسة الوصمة
دعوني أحلب الصمت الطويل
وأرسل الحكمة
دعوني – يا بني قومي – أحدثكم
عن المأساة في القدس
عن المأساة في غزه
عن المأساة في حيفا وفي يافا
وكيف تحولت آهاتنا العظمى إلى هزة
وكيف تحركت فينا بطولتنا
فقمنا نطلب العزة
مساء الخير يا وطني
مساء الفل والريحان والكادي
مساء عرافة التاريخ يا وطني
مساء زمان ميلادي
مساء عقيدة الإسلام
تمحو كل إلحاد ..
وترفع رأية الإنصاف في سفح وفي وادي
مساء الخير يا وطني
يحيء محملاً بعبير إنشادي
مساء الخير يا وطني