إن الأحداث التي تواترت إلينا صورها بنزول المساعدات الإغاثية عبر الجو وذهبت أدراج الرياح في غزة تجعلنا نقف وقفة تأمل في درجات الغضب الإلهية التي كانت رجزا من السماء يتشكل ويتدرج لأمة نفقت أموالا باهضة على نفاياتها وبقايا الطعام المهدور في مكبات النفايات أكثر مما تنفق على سد سغبات جوع شعوبها، هذا إلى جانب إطلاق صافرات الإنذار من قبل حماة البيئة بزيادة التلوث وانتشار الأوبئة جراء تكدس الأطعمة الفاسدة التي زادت عن حاجة فئة من الناس، بينما هناك وعلى مرآى العالم الجوع يفتك بالأطفال والكبار، أمسوا من فرط الحاجة يتقاسمون مع الحيوانات غذائها الغير صالح للاستخدام الآدمي، فيما ذهب الآخرون إلى ذبح خيول أصابتها آلة الحرب، وليس ذلك كرما حاتميا وإنما فقرا وجوعا ورغبة في البقاء، نعم إنها المفارقات التي زادت جرحنا وشتت شملنا، وعلى كثرة الأموال فهي بلا بركة حتى أصبح كثير من الناس لا يبالون لمصدر مالهم حلالا كان أم حراما؟
ما زال مجلس الأمن الدولي يعبر عن قلقه جراء المجازر المرتكبة بحق الشعب الأعزل مشددا على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين، وهي الشعارات ذاتها التي مللنا منها وشاخت معنا دون أن يكون هناك تحركا على أرض الواقع
ما أغرب ذلك التصرف الذي دفع الأنظمة العربية بإلقاء الطعام عبر الجو، فيما أنها لو عززت فتح المعابر ونقلتها برا لتغيرت كثير من المشاهد، وأصدقت نواياها في ترميم حالة التشظي العميقة بينها وبين شعوبها، فالوقفة في الجسد المتداعي لا تكون عشوائية وإنما بشكل منظم تصل إلى مستحقيها من الجياع الذين لا يشبهون الطير في جل التفاصيل، لذلك فقد زادت تلك التصرفات الطين بلة في النوايا الظاهرة التي تؤكد إلى تكون الحلف العربي الإسرائيلي ضد حركات المقاومة والتحرر، وهذه هي المرحلة التي تغربل مزاعم الأبواق التي تغنت بالقضية الأولى وهي بريئة منها، فالكل أصبح يعي بأن البعرة تدل على البعير والطريق يدل على المسير عبر الصروح التي بنوها لبلوغ الأسباب، فلم يسمن رذاذ المساعدات سغبات الجوع، ولم تكن سبيلا لسد الشرخ الغائر التي خلفته انتكاسة التواطؤ، وإنما كانت ذر الرماد في العيون وإحباط ثورة الطوفان، إلا أن تداعيات وارتدادات الطوفان في طريقها إلى التحول والتحور لأمور لا يستطيعون مجاراتها في قادم الأيام، وأهمها تآلف الفصائل الفلسطينية كما حدث في موسكو.