عـبادةُ التـفكُّــــــر " العبادة المنسية "
المقصود بالتفكر : النظر والاعتبار ، بعين البصيرة ، لا بعين البصر .
والتفكر من العبادات التي كاد الناس أن يهجروها ، مع أن آيات الله في الكون لا تعد ولا تحصى ، ففي كل شئ له آية تدل على أنه الواحد ، وكما قال سبحانه في كتابه العزيز:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [ فصلت : 53 ] .
والتفكر في آلاء الله ومخلوقاته يقود الإنسان إلى التعرف على قدرة الله وعظمته ، لهذا كان التفكر من أعظم العبادات ، وقد امتدح الله في كتابه المتفكرين:
(إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لاُوْلِي الألْبَابِ، الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ) [آل عمران:190، 191].
ونقل ابن القيم في ( مفتاح دار السعادة ) عن بعض السلف قوله:
( تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة ) .
وقيل لأم الدرداء: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت التفكر.
وقال الحسن: إن من أفضل العمل الورع والتفكير. وقال مولى سعيد بن المسيب: ما رأيت احسن مما يصنع هؤلاء، قال: وما يصنعون؟، قال: يصلي أحدهم الظهر ثم لا يزال صافا رجليه حتى يصلي العصر، قال: ويحك!أما والله ما هي العبادة؛ إنما العبادة التفكر في أمر الله، والكف عن محارم الله.
[ أخرجه أبو الشيخ في العظمة 1/210 ] .
وقيل لإبراهيم ابن أدهم إنك تطيل الفكرة ، فقال الفكرة مخ العبادة . وقال : الحسن في قوله تعالى : ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض ....) قال : أمنعهم من التفكر فيها . وقال عمر بن عبد العزيز : الفكرة في نعم الله من أفضل العبادات . وقال بشر بن الحارث : لو فكر الناس في عظمة الله ما عصوه.
وللتفكر في خلق الله وآلائه جملة من الفوائد منها :
1) التفكر يزيد الإيمان أكثر مما يزيده العمل. إن التفكر في خلق الله تعالى ليزيد الإيمان في القلب ويقويه ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكرا وتأملا في خلق الله وأكثر علما بالله تعالى وعظمته كان أعظم خشية لله تعالى كما قال سبحانه: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء.
2) التفكر من أعمال القلب،وأعمال القلب افضل من أعمال الجوارح باتفاق العلماء.
3) يبعث على التواضع أمام عظمة الله تبارك وتعالى، ويبعث على حسن الظن بالله عز وجل.
4) يؤدي إلى العمل بآيات كثيرة من كتاب الله تعالي والعمل بسبة النبي صلى الله عليه و سلم.
5) يفتح آفاق العلم و الإيمان مما لم يكن معلوما قبل ذلك؛ لان الفكرة تجر الفكرة.
_________________
وهكذا يتبين أن التفكر في خلق الله تعالى من صفات المؤمنين الصادقين، أولي الألباب، وأصحاب العقول السليمة الراشدة .. فينبغي للمسلم أن يعتني به، فإن الإنسان مع طول الزمن والغفلة قد يتبلد إحساسه، فيغفل عن النظر والتفكر فيما حوله من المخلوقات العظيمة في هذا الكون.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]