غريبة هي نفوس وطبائع البشر؛ الممنوع دائما مرغوب فيه، وما
لا يتحقق من الأحلام يصبح كابوسا يلاحقنا، كل حين نتمناه ونلهث لتحقيقه
مهما كبّدنا ذلك من عناء ومشاق! فالإنسان لا يشغله ما يملك بل هو مشغول
دوما عما يمكله بما لا يملكه! يبحث عما ضاع منه ولا يهتم بما لديه، وما
آتاه الله من نعم! والبعض مستعد لأن يفقد ما اكتسبه في سبيل كسب ما خسره!
هي معادلة شديدة الصعوبة شديدة التعقيد تشبه عقد النفس البشرية ورغباتها
وغرابتها في تحقيق المستحيل!
****
يحكى أن رجلا من هواة تسلق الجبال, قرر تحقيق حلمـه في تسلق
أعلى جبال العالم وأخطرها . وبعد سنين طويلة من التحضير وطمعًـا في أكبر قدر من الشهرة والتميز , قرر القيام بهذه المغامرة وحده .
وبدأت الرحلة كما خطط لها ومعه كل ما يلزمه لتحقيق حلمه.
****
مرت الساعات سريعة و دون أن يشعر, فــاجأه الليل بظلامه وكان قد وصل
تقريبًا إلى نصف الطريق حيث لا مجال للتراجع, ربما يكون الرجوع أكثر صعوبة
وخطورة من إكمال الرحلة و بالفعل لم يعد أمام الرجل سوى مواصلة طريقه الذي
ما عاد يراه وسط هذا الظلام الحالك و برده القارس ولا يعلم ما يخبأه له
هذا الطريق المظلم من مفاجآت .
****
و بعد ساعات أخرى أكثر جهدًا وقبل وصوله إلى القمة, إذ بالرجل يفقد
اتزانه ويسقط من أعلى قمة الجبل بعد أن كان على بُعد لحظات من تحقيق حلم
العمر أو ربما أقل من لحظات !
****
وكانت أهم أحداث حياته تمرؤ بسرعة أمام عينيه وهو يرتطم بكل صخرة من صخور
الجبل . وفى أثناء سقوطه تمسك الرجل بالحبل الذي كان قد ربطه في وسطه منذ
بداية الرحلة ولحسن الحظ كان خطاف الحبل معلق بقوة من الطرف الآخر بإحدى
صخور الجبل , فوجد الرجل نفسه يتأرجح في الهواء , لا شئ تحت قدميه سوي
فضاء لا حدود له ويديه المملوءة َ بالدم , ممسكة بالحبل بكل ما تبقى له من
عزم وإصرار .
وسط هذا الليل وقسوته , التقط الرجل أنفاسه كمن عادت له الروح , يمسك بالحبل باحثــًا عن أي أملٍ في النجاة .
وفي يأس لا أمل فيه , صرخ الرجل :
- إلهـــــي , إلهـــي , تعالى أعـن ِ !
فاخترق هذا الهدوء صوت يجيبـه :
" ماذا تـريـــدنى أن أفعل ؟؟ "
- أنقذني يا رب !!
فأجابه الصوت : " أتــؤمن حقــًا أني قادرٌ علي إنقاذك ؟؟ "
- بكل تأكيد , أؤمن يا إلهي ومن غيرك يقدر أن ينقذني !!!
- " إذن , اقطع الحبل الذي أنت ممسكٌ به ! "
وبعد لحظة من التردد لم تطل , تعلق الرجل بحبله أكثر فأكثر .
وفي اليوم التالي , عثر فريق الإنقاذ علي جثة رجل على ارتفاع مترين من سطح الأرض, ممسك بيده حبل وقد جمده البرد تمامـًا
" مترين فقط من سطح الأرض !! " وماذا عنك ؟ هل قطعت الحبل ؟
هل مازلت تظن أن حبالك سوف تنقذك؟ إن كنت وسط آلامك ومشاكلك , تتكل على
حكمتك وذكاءك , فأعلم أن ينقصك الكثير كي تــعلم معني الإيمان ..