منتديات قوصاد
أهلا وسهلا بك في منتديات قوصاد ، نتمنى لك قضاء أجمل الأوقات في جنبات المنتدى ، كما يشرفنا أن تسجل معنا وأن تكون عضوا في كوكبة المتميزين
منتديات قوصاد
أهلا وسهلا بك في منتديات قوصاد ، نتمنى لك قضاء أجمل الأوقات في جنبات المنتدى ، كما يشرفنا أن تسجل معنا وأن تكون عضوا في كوكبة المتميزين
منتديات قوصاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات قوصاد

حينما تفكر ... حتما ستبدع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty18/2/2010, 2:56 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي أعضاء منتدى قوصاد
أقدم لكم هذه المرة حلقات للدكتور الشيخ محمد هداية في برنامجه طريق الهداية الذي يبث على قناة دريم 2 المصرية
أرجو أن تنال إعجابكم


الحلقة الأولى
موضوع الحلقة: الروح والنفس والموت
ما هو الموت والحياة ؟ وهل هما مخلوقات من مخلوقات الله تعالى؟
الموت مخلوق كسائر مخلوقات الله تعالى وإن تدبرنا آيات القرآن الكريم لوقفنا عند بعض الكلمات التي يجب تدبر معانيها فقد قال تعالى في سورة تبارك الملك (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2}) فكأنما يريد الله تعالى أن يقول تبارك الذي خلق الموت وخلق الحياة. والفرق بين المسلم وغير المسلم أن للمسلم قرآن قال تعالى عنه أنه روح فيجب أن يحيا المسلم بالقرآن حياة تختلف عن حياة الآخرين على سبيل المثال الموت في القرآن هو بداية الحياة للمسلم فتوصيف الموت على هذا النحو في القرآن يجعل المسلم يتفاعل مع الموت على أنه بداية لحياة جديدة هي الحياة الآخرة والله تعالى كتب الموت على كل نفس ووصف تعالى الحياة الدنيوية بـ (الدنيا) ووصف الآخرة بـ (الحيوان) وهي دلالة على أنها ممتلئة والتي لا موت بعدها أو الحياة الحقيقية، وصيغة فعلان في اللغة تدل على الإمتلاء وليس لها مثيل مثل صفة رحمن وهذه صفة لا تطلق إلا على الله تعالى على عكس صفة رحيم فهي قد تطلق على البشر وقد أطلقها تعالى على الرسول r في قوله (بالمؤمنين رؤوف رحيم) . والحيوان واحد وهي الحياة الآخرة.
ويوم القيامة الذي بعده خلود دائم لا يجب أن يكون فيه موت ولذلك فإن الله تعالى يُجسّد الموت على الصراط ويسأل أهل الجنة إذا كانوا يعرفونه فيجيبون بنعم ويسأل أهل النار إن كانوا يعرفونه فيجيبون بنعم ثم يُذبح على الصراط فلا موت بعد اليوم إما خلود في الجنة أو خلود في النار. والموت ينقل من دار الفناء إلى دار الخلود والبقاء ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة وهو شيء محتوم. وعلى المسلم الحقّ أن لا يفزع أو ينهار إذا سمع بموت أحد الناس حتى لو كان من أقرب أقاربه لأنه إذا كان يقرأ القرآن ويفهمه لعرف أن وراء هذا الموت للمسلم حياة نعيم وخلود أبدي وأن الله تعالى يجازي الصابرين كما في الحديث القدسي "قبض ولد العبد المؤمن" "يسأل الله تعالى ملائكته هل قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي يقولون حمدك واسترجع فيقول تعالى ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة سمّوه بيت الحمد" وورد في الأحاديث أنه إذا قُبض صفيّ العبد فصبر فلا جزاء له إلا الجنّة. وإنما الصبر عند الصدمة الأولى والموت إنما هو ابتلاء من الله تعالى للمسلم فإذا عرف المسلم معنى قوله تعالى (خلق الموت والحياة) لقال الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون. والصبر هو ركن من كل أركان الإسلام فالصلاة والصيام والحج كلها تحتاج لصبر فالصبر هو الأساس في كل هذه الأركان.
ومما يجب التنبيه له أنه عادة ما يسأل المسلم عن عذاب القبر والأولى أن يسأل عن حساب القبر لأنه بمجرد أنه ذكر عذاب القبر فقد افترض الأسوأ والمسلم لإيمانه برحمة الله وعدله ولطفه قوي جداً والمسلم الذي هو على يقين بكل ما جاء في القرآن والسنّة يعلم أن في القبر حساب يعقبه نعيم أو عذاب. ومن المؤسف أن نرى كثيراً من الدعاة يرهبون الناس بعذاب القبر ويوردون الأحاديث الضعيفة عن عذاب القبر وأهوال القبر حتى وكأنما يظهر للناس أن الله تعالى يتشفّى من عباده وحاشا لله أن يكون هكذا فهو رؤوف رحيم رحمن الدنيا والآخرة. إذن على المسلم أن يسأل عن حساب القبر.
ولنبدأ بمراحل الخلق. أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ومن تقدير الله تعالى أن تكون هناك حياة يترقبها موت فكل مخلوق من مخلوقات الله تعالى يترقب الموت (وقضى أجلاً وأجل مسمى عنده) وخلق الله تعالى الخلق وقضى آجالهم وحدد وقت القيامة. ومع اختلاف الفلاسفة حول أمور كثيرة إلا أنهم جميعاً اتفقوا على أن الحقيقة الواحدة هي الموت. ولمّا خلق الله تعالى آدم كتب الموت والفناء والهلاك على جميع خلائقه وأوجب الوجود لجلاله وأوجب الوجود لعظمة ذاته كما جاء في قوله تعالى (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم ثم إلى ربكم تُرجعون) وقوله تعالى (إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) (كل شيء هالك إلا وجهه). فهو تعالى الحيّ الذي لا يموت وما غيره يموت حتى الموت نفسه فما من مخلوق إلا ويموت أو يفنى أو يهلك بطريقة ما. فكلمة الحياة تختص بكل مخلوق على حدة فالإنسان له قوام حياة تُسمّى الروح والحيوان له قوام حياة والجماد أيضاً له قوام حياة. فالإنسان يموت وكل المخلوقات على وجه الأرض يفنى فلو جبلنا بعض الإسمنت بالماء وبنينا به جداراً ثم وقع هذا الجدار لا يمكننا أن نعيد جبل الجدار المنهار مرة أخرى لأنه بكل بساطة مات.
ننتقل الآن إلى موضوع الروح ودلالاتها في القرآن الكريم حتى نفهم معنى الروح والموت بشكل أوضح. وعندما نتكلم عن الموت فإننا نتكلم عن نقض الحياة وقد أجمع علماء اللغة أن الموت هو نقض الحياة. ولو نظرنا إلى سهم الحياة لوجدناه يسير على الشكل التالي:
ماء + تراب ¬ طين لازب ¬ صلصال من حمأ مسنون ¬ صلصال من فخّار ¬ ينفخ الله تعالى الروح
وإذا نظرنا إلى سهم الموت لوجدنا أنه عكس سهم الحياة:
الروح ¬ صلصال من فخّار ¬ صلصال من حمأ مسنون ¬ طين لازب ¬ ماء + تراب
فالروح هي آخر ما يدخل في الجسد في مرحلة الخلق والحياة وهي أول ما يخرج من الجسد في مرحلة الموت أو نقض الحياة .
وردت الروح في القرآن الكريم بستة معاني وهي :
*الروح التي هي قوام الحياة وهي الروح الوحيدة التي نٌسبت إلى الله تعالى كما في قوله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وقوله تعالى (ثم سواه ونفخ فيه من روحه).
*الروح بمعنى عيسى عليه السلام كما في قوله تعالى (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه).
*الروح بمعنى جبريل عليه السلام كما في قوله تعالى (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين)
*الروح بمعنى السكينة والنصر والتأييد كما في قوله تعالى (وأيّدهم بروح منه).
*الروح بمعنى الوحي كما في قوله تعالى (يُلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) وهو الوحي الذي يعطيه الله تعالى للأنبياء الذين اصطفاهم وهذا الوحي قد يكون عن طريق الإلهام أو جبريل أو غيره. إذن الروح هنا هي بمعنى الوحي على الإطلاق.
*الروح بمعنى القرآن خاصة لأن القرآن يُسمى روحاً كما في قوله تعالى في سورة الشورى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {52}) وهذه الآية في سورة الشورى حلّت الإختلاف بين المفسرين حول آية سورة الإسراء (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) لأن بعض المفسرين فسروا الروح هنا على أنها القرآن ولكنها في الحقيقة هي قوام الحياة. فالروح التي هي من أمر الله إما أن تكون الوحي (يُلقي الروح من أمره) وإما أن تكون القرآن (أوحينا إليك روحاً من أمرنا). وسُمّي الوحي روحاً وسُمي القرآن روحاً لأنهما يجعلان للمسلم أو المتّبع عامة حياة جديدة مصداقاُ لقوله تعالى (استجيبوا للرسول إذا دعاكم لما يحييكم) بمعنى يحييكم بالقرآن وكذلك في قوله تعالى (نزل به الروح الأمين على قلبك) الضمير (به) يعود على القرآن. وفخر لكل عربي أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين فيجب علينا أن نتلقى منه الروح التي تنقلنا إلى حياة جديدة. وللمسلم حياتان الحياة الأولى بالروح التي هي قوام الحياة والثانية بالقرآن ومن عظمة القرآن أن الوحي كلّه سُمّي روحاً والقرآن وحده سُمّي روحاً. أما الروح التي هي قوام الحياة فهي سر من عند الله تعالى وهي كما أسلفنا الروح الوحيدة التي نُسبت إلى الله تعالى في القرآن الكريم.
الفرق بين الموت والوفاة:
ننتقل الآن إلى تعريفات الموت في القرآن. فقد ورد في القرآن أمثلة على الموت وأراد تعالى أن يُعلمنا كُنه الموت وحقيقة الوفاة. وحتى نفهم الموت يجب أن نستعرض القرآن الكريم. فهل قبض الروح هو بداية الموت؟ يقول تعالى (الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى) فالموت شيء والوفاة شيء آخر. والوفاة قد تكون موتاً وقد لا تكون. وفي الآية وردت حالتان للوفاة (حين موتها) و (التي لم تمت في منامها) فالنوم إذن وفاة وليس موتاً مع أنه يُسمى الموتة الصغرى لأن فيه شِقّ موت. ملك الموت يقبض الروح بعد هذا فيه وفاة الروح نفسها أي خروجها من الجسد. ساعة الموت وخروج الروح يقبض ملك الموت الروح والله تعالى يتوفّى النفس (وهنا عُبّر عن النفس بالروح مجازاً) إذن تخرج الروح بالموت والنائم روحه متوفاة عند الله تعالى وسمّاها الرسول r الموتة الصغرى لأن روح النائم هي متوفاة عند الله تعالى كما يشير إليه دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النوم "باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت روحي ارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" وكذلك الدعاء الذي ورد عنه r عند الإستيقاظ من النوم "الحمد لله الذي ردّ علي روحي" ولهذا جاء في الحديث أنه على المسلم أن ينام على وضوء. فكل موت وفاة وليست كل وفاة موتاً.
إذن تكون الوفاة قبل الموت هي النوم والوفاة ساعة الموت هي بعد قبض الملك للروح.
الفرق بين الموت والوفاة:
ننتقل الآن إلى تعريفات الموت في القرآن. فقد ورد في القرآن أمثلة على الموت وأراد تعالى أن يُعلمنا كُنه الموت وحقيقة الوفاة. وحتى نفهم الموت يجب أن نستعرض القرآن الكريم. فهل قبض الروح هو بداية الموت؟ يقول تعالى (الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى) فالموت شيء والوفاة شيء آخر. والوفاة قد تكون موتاً وقد لا تكون. وفي الآية وردت حالتان للوفاة (حين موتها) و (التي لم تمت في منامها) فالنوم إذن وفاة وليس موتاً مع أنه يُسمى الموتة الصغرى لأن فيه شِقّ موت. ملك الموت يقبض الروح بعد هذا فيه وفاة الروح نفسها أي خروجها من الجسد. ساعة الموت وخروج الروح يقبض ملك الموت الروح والله تعالى يتوفّى النفس (وهنا عُبّر عن النفس بالروح مجازاً) إذن تخرج الروح بالموت والنائم روحه متوفاة عند الله تعالى وسمّاها الرسول r الموتة الصغرى لأن روح النائم هي متوفاة عند الله تعالى كما يشير إليه دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النوم "باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت روحي ارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" وكذلك الدعاء الذي ورد عنه r عند الإستيقاظ من النوم "الحمد لله الذي ردّ علي روحي" ولهذا جاء في الحديث أنه على المسلم أن ينام على وضوء. فكل موت وفاة وليست كل وفاة موتاً.
إذن تكون الوفاة قبل الموت هي النوم والوفاة ساعة الموت هي بعد قبض الملك للروح.
النفس:
النفس جاءت في القرآن الكريم بثلاثة أوصاف: نفس لوّامة ونفس أمّارة بالسوء ونفس مطمئنة. والنفس الأمارة بالسوء واللوامة تستخدم في الكلام عن النفس التي تمثّل الحياة وليس الموت، أما النفس المطمئنة فهي لا تكون إلا بعد الموت لأن النفس لا تطمئن إلا ساعة الموت لأنها لو اطمأنت في الدنيا لضاعت (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) وهذا مصداقاً لقوله تعالى في سورة الفجر (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ {27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً {28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {29} وَادْخُلِي جَنَّتِي {30}) هذه هي النفس التي توفّت ساعة الموت وعند الوفاة لأن الوفاة تكون للنفس وليس للروح. ولهذا قال تعالى (ارجعي) ولم يقل اعملي فهذا دليل على أن النفس المطمئنة هي النفس بعد الموت.


بُثت هذه الحلقة بتاريخ 22/2/2004م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty18/2/2010, 2:59 pm

الحلقة الثانية
الروح والنفس (2)
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الروح ومعانيها المختلفة كما وردت في القرآن الكريم وعن الخلق والحياة ونؤكّد في هذه الحلقة على هذه المعاني. الروح وردت في القرآن في أكثر من موضع وإنما اجتماع المواضيع يعطي ستة معاني مختلفة لكلمة الروح وهذا ما تتميز به اللغة وما يتميز به القرآن وأن الكلمة الواحدة قد يكون لها أكثر من معنى. أخذنا الروح كمثال لنؤكد ما فيها من معاني عميقة لمعنى الروح فجاءت كما قلنا في الحلقة السابقة بمعنى عيسى u وُصف بأنه روح بحدّ ذاته (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) وبمعنى جبريل سُمي روحاً وهذا توصيف لجبريل في القرآن (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) وبمعنى السكينة والنصر والتأييد (وأيّدهم بروح منه) والمعنى العام لكلمة الروح والمشهور عند الناس هو قوام الحياة (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهنا أحب أن أشدد على أنه يجب أن نأخذ اللغة من باطن الفصحى لا من باطن العامّية لأن بينهما فرق كبير. وقلنا أن آية سورة الشورى حلّت الإشكال الذي وقع فيه بعض المفسرين في تفسيرهم لكلمة الروح التي جاءت في سورة الإسراء (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) وقالوا إنها قوام الحياة لكن الآية الوحيدة التي نُسبت فيها الروح لله تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهي الروح التي أقام الله تعالى بها حياة آدم u. وبقي معنيان آخران للروح وهما الروح بمعنى الوحي مطلقاً (يُلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) وبمعنى القرآن خاصة (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى) فالوحي مطلقاً سُمي روحاً والقرآن خاصة سُمي روحاً والملك المكلّف بتبليغ الوحي على الرسول r سُمي روحاً أيضاً. وعندما نزلت الآيات واستقر القرآن في سورة الاسراء (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الغالب على المفسرين أنهم يقولون بأنها قوام الحياة لكن منهم من يقول إنها القرآن لأن ما قبلها وما بعدها يدل على ذلك وأكّد ذلك كما قلنا في سورة الشورى الآية 52. *فالروح من أمر الله تعالى هي الوحي والقرآن والروح عموماً بمعنى عيسى u لأما الروح قوام الحياة فهي من أسرار الله تعالى.
أما النفس فهي جِماع الروح والبدن في الغالب ويجب أن نقف عند توصيف النفس في القرآن لنؤدّي مُراد الله تعالى في الحياة. والنفس أنواع : النفس الأمّارة والنفس اللوامة والنفس المطمئنة. وقلنا في الحلقة السابقة أن النفس إذا اطمأنّت في الدنيا ضاعت لأنه إذا اطمئن الإنسان لإيمانه لن يصلي ولن يصوم ولن يعمل صالحاً. النفس على إطلاقها أمّارة فإذا رضي الله تعالى عنها جعلها لوّامة لذا أقسم تعالى بها (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) القيامة) أما النفس المطمئنة يشرحها المفسرون في بعض التفاسير أنها النفس التي صاحبها عمِل صالحاً هذا كلام جيد لكننا ننتبه إلى قول الله تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) الفجر) قال تعالى ارجعي ولم يقل اعملي وهذا يدلنا على أن النفس المطمئنة هذه لا تكون مطمئنة إلا ساعة الموت. فالنفس اللوامة تطمئن ساعة الموت (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق) سكرة الموت تأتي بالحق فالنفس اللوامة التي كانت تلوم صاحبها تطمئن ساعة الموت (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) ويمكن أن نأخذ حلقة كاملة في النفس المطمئنة. النفس الأمارة على الإطلاق واللوامة للمؤمنين والمتقين والمحسنين هؤلاء هم أصحاب النفس المطمئنة ساعة الموت. فلو قلنا أن النفس المطمئنة هي في الدنيا تأتي الآيات في القرآن لتعطينا عكس هذا المفهوم قال تعالى في سورة الفجر (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)) فلو كان المقصود بالنفس المطمئنة تلك التي اطمأنت في الدنيا لركن الغني إلى الغنى واطمئن وركن الفقير إلى الفقر واطمئن وجاء الرد من الله تعالى بعد هذه الآية (كلا) وفيها الإجابة و(كلا) هذه كلمة زجر وردع لأنه لا الفقر دليل الإهانة ولا الغنى دليل الكرم إنما حلّ القضية قوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ويكون المتّقي في الدنيا صاحب النفس المطمئنة عند الموت بدليل كلمة (ارجعي) في الآية ولم يقل (اعملي).
*والغنى والفقر هما من الابتلاءات في الحياة من الله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك)، والإبتلاء يأخذ أشكالاً كثيرة كالإبتلاء في الصحة والمال والولد والغنى والفقر وغيرها.
ويسأل المقدم حول صحة ما يقال عن أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء فيردّ الدكتور أن هذه مسألة غير مطلقة فقد يكون هناك فقراء غير مسلمين وأغنياء مسلمين وصالحين والمهم هنا أن نسأل هل سننجح في هذا الاختبار وهل يصبر الفقير على فقره وهل يشكر الغني على غناه؟ وكل لفظ في القرآن له دافع لأدائه فالفقر يوجب الصبر والغنى يوجب الشكر والصحة تحتاج لتلقي سليم. وساعة الهجرة هاجر الفقير والغني والفرق بينهما أن الفقير يحتاج لمن يساعده ليهاجر والغني يدفع ليهاجر والرسول r عندما كان في المدينة قال لعبد الرحمن بن عوف وكان من أغنياء المسلمين "أولِم عنهم" بعد أن كان يقول لكل من تزوج "أولم بشاة" وهذه الوليمة هي لاشهار الزواج والمعنى أن الرسول r طلب من عبد الرحمن بن عوف ممازحاً إياه أن يولِم عن الباقين لغناه. وعلينا أن نغتنم الأيام فبل انقضائها كما جاء في حديث الرسول r " اغتنموا خمساً قبل خمس" لأن اليوم الذي ينقضي لا يعود كل فجر يقول يا ابن آدم أنا فجر جديد على عملك شهيد فاغتنمني فإني لن أعود إلى يوم القيامة. فالصبر إذن هو ركن ركين في كل عمل من أعمال المسلم.
نعود إلى مسألة الخلق ويسأل المقدم الدكتور أن يتحدث عن موضوع بداية الخلق خلق السماوات والأرض والبشر والقرآن وهنا يقطع الدكتور على المقدم ليبيّن خطورة القول بخلق القرآن ويقول: حاول الكثيرون أن يعتبروا أن القرآن مخلوق وهو ليس مخلوق ومات من أجل هذه القضية علماء كُثُر وعُذّب علماء كثر منهم الإمام أحمد ابن حنبل ونقول أن القرآن إنما هو كلام الله تعالى باقٍ ببقاء الله عز وجل. والذين افتعلوا هذه الفتنة أرادوا أن يصلوا منها إلىأن كل الخلق سيموتون وبما أن القرآن مخلوق سيموت أيضاً وهذا كلام لا يليق فقد رفضه علماء كثيرون وماتوا لاجل الدفاع عن هذا الأمر فالقرآن باق إلى يوم القيامة والله تعالى ينادي به (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر) فالقرآن ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله باقٍ ببقاء الله تعالى.
وقبل أن نبدأ الحديث عن الخلق وكيف بدأ الخلق نقول أن الموت مخلوق لله وطالما نتحدث عن الموت نتحدث عنه كنقض للحياة ويجب أن نتكلم عن الحياة لنستوعب قدرة الله تعالى في الخلق حتى إذا تكلمنا عن الموت يكون أهون علينا مما هو الآن لأن بعض الناس أو معظمهم يخاف من الموت ويجب أن ننظر إلى الموت على أنه السبيل للقاء الله عز وجل "من أحبّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه". وأُحذر نفسي والمشاهدين من أمور يفتعلها الشيطان حتى نسرح بخيالنا من سؤالنا عمن خلق السماوات وخلق الأرض إلى السؤال من خلق الله؟ والرسول r يعلّمنا أن تقف عند حدّ معين عندما نتفكر ونتدبر في الخلق هذا الحدّ هو الله تعالى ونهانا الرسول r عن إطلاق التفكّر. وأذكر أنه جاء أناس من اليمن للرسول r فقالوا: جئنا نسألك عن هذا الأمر (أي الخلق) فأجابهم الرسول r إجابة بليغة حاسمة فقال: كان الله ولم يكن شيء قبله (في رواية أحمد) وكان الله ولم يكن شيء غيره (في رواية البخاري). ومن هذا الحديث يعلّمنا الرسول r أن الله تعالى هو البداية فالله تعالى هو الأول ليس قبله شيء وهو الآخر فليس بعده شيء وهو الظاهر فلا شيء وقه وهو الباطن فلا شيء دونه وقد علمنا الدكتور رمضان عبد التواب أن نأخذ بينهما أيضاً فالله تعالى هو الأول والآخر وما بينهما وهكذا. فالله تعالى هو كل بداية كل شيء ويتعالى أبو هريرة ويباهي الصحابة على الحديث الذي قال فيه: "أخذ رسول الله r بيدي وقال خلق الله عز وجل التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء (المكروه هو كل ما يكرهه الانسان) وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدوابّ يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل". وللأسف أن العوام من الناس يتناقلون حديثاً أنه في يوم الجمعة ساعة نحس وهذا القول يُخرج من المِلّة لأنه في الحديث الصحيح عن رسول الله r أنه قال:"خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خُلِق آدم وفيه أُدخِل الجنة وفيه أُخرِج منه وفيه تقوم الساعة" رواه أحمد. وعلينا أن نأخذ الكلام من فم رسول الله r .
وحديث أيام الخلق الستة يوضح أن الله تعالى خلق كل شيء بقدر وحكمة وكأن الحديث يقول أن الله تعالى خلق كل الكائنات لأجل آدم ومسخّر له. وفي حديث آخر عندما خلق الله تعالى الأرض جعلت تميد فألقى الله تعالى الجبال لتثبيتها وتعجبت الملائكة فقالوا أهناك شء أشد من الجبال فقال تعالى الحديد فسألوا أهناك شيء أشد من الحديد فقال النار ثم النار تُذيب الحديد ثم الريح تُطفئ التار ثم ابن آدم إذا تصدّق بيمينه ما لم تعلمه شماله.
يسأل المقدم عن خلق الله تعالى لآدم وأنواع الخلق فيجيب الدكتور أن الله تعالى خلق آدم من دون ذكر وأنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى (من آدم)، وخلق البشر جميعاً من ذكر وأنثى وبقي هناك نوع من الخلق وهو الخلق من أنثى بلا ذكر فكان عيسى ابن مريم وأمه وبهذا يثبت الله تعالى لعباده أن قدرته الرباعية على الخلق بكافة أشكاله مكتملة وقال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران) يضرب الله تعالى المثل في عيسى ثم تأتي الآية بعدها بخلق آدم من تراب وكأننا بالله تعالى يقول يا من حاججتم في خلق عيسى من أم بلا أب كان يجب أن تحتجوا على خلق آدم الذي خُلق بدون ذكر ولا أنثى فعيسى كان له أمٌ تحمله أما آدم فلا فإن لم تسألوا عن خلق آدم فلِمَ تسألون عن خلق عيسى؟ فالذي لا يستوقف في خلق آدم ويستوقف في خلق عيسى فكلامه مردود عليه والقادر على الخلق بلا ذكر وأنثى قادر على أن يخلق من أنثى بلا ذكر وقادر على أن يبعث الخلق من جديد يوم القيامة (كما بدأنا أول خلق نعيده).
خلق آدم:
لمّا قضى الله تعالى الخلق خلق القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الخلائق وعندما قال تعالى (إتي جاعل في الأرض خليفة) هذا الأمر كان مقضياً به ساعة خلق القلم. يقول الرسول r أن الله تعالى أخذ قبضة من الأرض فجاء الناس على قدر الأرض فيقول الرسول r فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك وجاء منهم السهل والحزن وبين ذلك. ومعنى على قدر الأرض أنه عندما تحلل التربة نجدها تتكون من عناصر كثيرة مختلفة وليست كلها من مادة واحدة وكذلك البشر ليسوا سواء ولكل إنسان طبعه وشكله ونشاهد في الحج كل ألوان البشر وكل الطباع. والمفروض أن يغيّر الاسلام طباع البشر فيصبح الإنسان المسلم راضياً صابراً تعلوه السكينة والسلام وهذا يبيّن قدرة الله تعالى في الخلق.
قلنا في الحلقة السابقة أن سهم الحياة (تراب + ماء تعطي طيناً هذا الطين وصفه تعالى بأنه طين لازب وهذه المرحلة محددة بدقة وهي بين المرحلة السائلة والمرحلة الصلبة تماماً ثم نجد أن الحمأ المسنون لا يكون إلا بعد الطين اللازب (صلصال من حمأ مسنون) وهنا تظهر كلمة لا يقولها الله تعالى بعد من صلصال كالفخار هذه الكلمة هي (فسوّيته) ولو استعرضنا القرآن كله نجد أن كلمة سوّيته لا تأتي إلا بعد ذكر صلصال كالفخار وهذه هي آخر مرحلة وهي مرحلة التصوير. وهناك فرق بين الخلق والتصوير كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) الأعراف) فالخلق هو ما كان من ماء وتراب ثم أصبح طيناً لازباً ثم صلصال من حمأ مسنون أما التصوير فهو عند الفخار وهذه هي التسوية.
ثم بعد أن سوّى الله تعالى آدم تركه أربعين سنة جثة كما يقول البخاري ستون ذراعاً طول وفي رواية انفرد بها الإمام أحمد ستون ذراعاً طول في سبعة أذرع عرض، هذا الخلق تركه الله تعالى لحكمة وهي استعراض الملائكة لهذا المخلوق واستعراض ابليس له. والملائكة كانت ترى هذا المخلوق ولا تقول شيئاً رهبة من الله تعالى أما ابليس فهو الذي تساءل عن هذا المخلوق وهذا يعلّمنا أن العداء بين ابليس وابن آدم قديم لأن الشيطان كان يدور حول آدم ويقول : من أجل أمر ما خُلِقت. ثم زال خوف ابليس من هذا المخلوق لمّا وجده أجوفاً لأنه علِم أنه لن يتمالك بمعنى أن الشهوة تغلِب عليه (شهوة البطن والفرج) فيسمع كلام ابليس. فقال ابليس للملائكة لا تخافوا من هذا فإنه أجوف وربّكم صمد. والصمّد في اللغة الشيء المُصمد هو الشيء الذي لا جوف له. وفي قوله تعالى (الله الصمد) قال بعض المفسرين أنها تعني المصمود إليه في الحوائج وهذا المعنى لا يشفي الغليل من اللفظ ولكن الصمد هو الذي لا يحتاج إلى ولد أو زوجة وهذه الكلمة (الصمد) لم تأت في القرآن إلا مرة واحدة وهي من الكلمات الفريدة. وفي بعض البلاد العربية يسمون الصمد المكان الذي ليس فيه طعام ولا شراب ونحن نقول إذا كان للقنينة غطاء يلف لفّاً نسميه غطاء فإن كان يدخل فيها ويُحكِم إغلاقها نسميه صماد.
فلمّا علِم ابليس أن آدم أجوف اطمئن وقال لآدم جملة يجب أن نفهمها جيداً ونفهم معناها: لئن سُلِّطتُ عليك لأُهلكنّكَ ولئن سُلِّطتَ عليَّ لأعصينّك. وهذا يبيّن أن العداوة بين ابليس وآدم واقعة من وقت أن أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم وكان ابليس حاضراً عند الأمر بالسجود.
*ثم نفخ الله تعالى في آدم من روحه فدخلت الروح وكلما دخلت إلى جزء من جسد آدم تحول الفخار إلى لحم وجلد ودم ويقال أن أول ما دخلت الروح إلى رأسه من الأنف فعطس آدم وهناك حديثان حول هذا الأمر أحدهما أنه ساعة عطس آدم قال الحمد لله فقال الله تعالى يرحمك الله والثاني أن الملائكة علّمت آدم أن يقول الحمد لله وهذا العطس والدعاء بعده هو دعوة للعاطس بالرحمة. إذن دخلت الروح من المداغ وهذا الموضوع دخلت فيه الكثير من الاسرائيليات ثم مشت الروح حتى وقفت عند البصر فنظر آدم إلى ثمار الجنة ثم أول ما وصلت الروح إلى بطنه اشتهى الطعام فشبّ ليأكل منه ولم تكن الروح قد وصلت لرجليه بعد (خُلِق الإنسان من عجل) وهذا عيب الشهوة لأنه كان متعجلاً للطعام ومن هنا كان فضل الله تعالى علينا بالصيام لتأديب النفس وتعويدها على الطاعة ففي الصيام منع النفس عن الحلال فإن استطاعت هذه النفس أن تمتنع عن الحلال فيمكنها أن تمتنع عن الحرام وهذا من فضل الله تعالى علينا. ثم وصلت الروح إلى القدمين واستوى الخلق وساعة تمّت تسوية آدم ودخول الروح إلى سائر أعضائه أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم وهذا الأمر بالسجود صدرمن الله تعالى قبل الخلق وليس بعده ولهذا ضاق ابليس بهذا المخلوق (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
وساعة خُلِق آدم وساعة سوّاه الله تعالى وساعة أتمّ الخلق كتب الله تعالى في كتاب فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي فكأن الله تعالى يقول إن هذا المخلوق خُلِق للمعصية وساعة عصى آدم ربه كانت التوبة جاهزة (فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) والله تعالى غفّار وغفور وفي الحديث : إن لم تّذنبوا لاستبدل الله قوماً غيركم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم.
فأسأل الله تعالى أن نستوعب هذه القضية ونعلم أن الشيطان يتربص لنا كالموت وأسأل الله تعالى أن يُجنّبنا الشيطان وأن يجنّب الشيطان ما رزقنا. واختتم الدكتور الحلقة بدعاء.
أسئلة المشاهدين:
سؤال 1: سألت إحدى المشاهدات عن عذاب القبر وهل يكون في القبر حساب مع العلم أن الحساب يكون يوم القيامة فكيف نقضي الفترة بين القبر والقيامة؟ وما صحة ما يُقال في عذاب القبر وضيقه والثعبان الأقرع؟ وهناك سؤال آخر عن ما يُعرف بـ(عِدّية يس) وهي أن تُقرأ أربع مرات وتكرر كل آية عدد معين من المرات؟
الجواب: أولاً دعونا نقول حساب القبر وليس عذاب القبر فهل عندنا في القرآن عذاب فقط أليس عندنا نعيم؟ سورة الرحمن التي تتكلم عن الجنان أليست نعيماً؟ فواجب المتكلمين أن يتصدوا لهذا الأمر لأن كلمة عذاب تكون نتيجة شيء وهذا الشيء يجب أن يكون له إحدى نتيجتين العذاب أو النعيم فلماذا نشدد على العذاب وبصراحة وللأسف لقد عشنا فترة طويلة من الدعوة بأسلوب الترهيب ولا ننكر أن أسلوب الترهيب هو من وسائل الدعوة لكن لا ننسى أسلوب الترغيب أيضاً ونأخذ ما جاء عن ابن عباس رضي الله لنتعلم : جاء رجل الى ابن عباس وسأله أللقاتل توبة؟ فنظر إليه وقال نعم للقاتل توبة وبعد أربعة أيام جاءه رجل آخر فسأله أللقاتل توبة؟ فنظر إليه ابن عباس وقال لا ليس للقاتل توبة فسأله أحد الحاضرين يا إمام أنت تكيل بكيالين قال ابن عباس إن الذي جاء أولاً جاء وقد قتل ويريد أن يتوب (وتعلّم من حديث رسول الله r عن رجل من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً) فكالما قتل ويريد التوبة فالتوبة بابها مفتوح ليل نهار أما الثاني فيسأل قبل أن يقتل هو يريد معرفة الحكم قبل أن يقتل فلو أجابه ابن عباس بنعم لثتل ثم عاد ليتوب فأراد ابن عباس أن يمنعه من القتل فقال لا ليس للقاتل توبة وكأننا بابن عباس يمنع جريمة. وهذه من فراسة ابن عباس كما في الحديث:" اتقوا فراسة المؤمن فنه ينظر بنور الله". فالترغيب ينفع في أوقات والترهيب ينفع في أوقات.
هناك حساب يعقبه نعيم إذا كان الرجل (بمعنى الرجل والمرأة) من أهل الصلاح أو يعقبه عذاب إذا كن الرجل من أهل الطلاح.
أما بالنسبة للسؤال حول عدية يس فليس هناك ما يسمى بهذا وإنما أقرأ يس لأنها سورة من سور القرآن وليس للتكرار الذي سألت عنه الأخت أي صحة ولا سند له في السنّة الصحيحة. ويجب أن نخرج من هذه الألفاظ وسنستعرض في حلقة لاحقة موضوع الأحاديث في سورة يس وعرض لها بالتفصيل ونبين الصحيح منها من الموضوع. ونقول إن سورة يس هي سورة من القرآن نقرأها لما شئنا.
سؤال 2 : قال الدكتور في الحلقة الماضية بخصوص الروح والنفس هداية أن الروح هي قوام الحياة وذكر الأدلة من كتاب الله وأنا أوافقه الرأي لكن كما قرأت فإن الروح خالدة لا تموت، ومن هذا المبدأ أرى والله أعلم أن الروح عندما تدخل الجسد ينتج عنها النفس التي هي الأحاسيس والتفاعلات الروح مع الجسد ثم إن هذه النفس إما تُقتل (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق) أو تموت (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) أو يتوفّاها الله تعالى (الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها). فهل هذا التفسير منطقي؟ لأننا إذا جزمنا أن الروح قوام الحياة وهي التي تعطي الحياة للجسد فلماذا يُعبّر عن النفس بأنها هي التي تموت أو تُقتل أو تُتوفّى؟ أتمنى أن تتوسع في هذا الموضوع لأنه موضوع حسّاس وقد يُضيّع الكثيرين.
الجواب: النفس عُبّر بها عن الروح أحياناً معينة وعلينا أولاً أن نفرّق بين الموت والقتل:
الموت هو الحالة التي تخرج فيها الروح من بدن الإنسان بعد أن أدّت مهمتها في هذا البدن وبعد أن بقيت فيه المدة التي شاءها الله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) الأنعام).
والقتل هو عندما يُهدم الجسد أو الوعاء الذي يحتوي الروح فيصبح هذا الجسد غير صالح لاستيعاب الروح فتخرج الروح من هذا الجسد لفساده.
والموت والقتل هما بأمر الله تعالى وبإذنه. وقد تطلق كلمة النفس على الروح في القرآن لكن الروح لا تُطلق على النفس فالتي تتوفى في الحقيقة هي الروح عُبّر عنها بالأنفس (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) لأنه يوجد من هو نائم فلو أن النائم روحه خرجت يكون قد مات ولهذا لا يصح أن نقول الروح بدل النفس لأنه لو قالها مع النائم لأوجب أن يموت هذا النائم ولذها أطلق الله تعالى كلمة النفس هنا بمعنى الروح ، واطلاقات النفس بدل الروح في القرآن لهدف في القرآن ففي الآية (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) الأنفس بمعنى الأرواح والتي تُمسك هي التي ستموت والتي تُردّ هي روح النائم. والفرق بين الموت والوفاة أن كل موت وفاة وليس كل وفاة موت وأيّ موت يشمل الوفاة وللتأكد من الفرق بينهما ننظر إلى قوله تعالى في قصة عيسى u (إني متوفّيك ورافعك إلي ومطهرك) عيسى لم يمت ولكنه متوفّى ولهذا قال تعالى متوفيك ولم يقل مميتك وكذلك نفى عنه الصلب والقتل في آية أخرى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء) هذا ليس موتاً وإنما وفاة لذا فعيسى u متوفّى وليس ميتاً.
سؤال 3: *تسأل إحدى المشاهدات عن سكرات الموت وهل هي دليل على صلاح الميت؟
الجواب: لا تأخذوا سكرات الموت على أنها قضية مسلّم بها فمنهم من يُشدّدُ عليه وهو من الصالحين ومنهم العكس فلا نأخذها بشكل عام ونحن لا نملك أن نقول هذا في الجنة وهذا في النار فهل إذا مات أحدهم فجأة يكون هذا دليل على عدم صلاحه؟ الله أعلم قد يكون هذا الرجل من الصالحين وسنستعرض في حلقات قادمة موت الرسول r ويعض الصحابة. وأقول أن علامات الصلاح والطلاح تظهر على الإنسان في حياته فهل كان هذا الإنسان محسناً مصلياً صائماً مصلحاً بين الناس أو كان على عكس هذا؟ فالسكرات ليست دلالة على صلاح أو فساد المتوفى.
سؤال 4: تسأل إحدى المشاهدات أن أباها مات من شهرين مبطوناً بالقلون فهل يُعتبرشهيداً؟
الجواب: في الحديث عن رسول الله r أن المبطون شهيد. ولا نملك إلا أن نسأل لهذا الميت الرحمة والمغفرة وسنعود للحديث عن الشهيد في حلقات قادمة. فالشهيد قبل أ يكون مبطوناً أو غيره إن كان من العلماء فهو من الشهداء مصداقاً لوله تعالى في سورة البقرة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) فمن أمة محمد r من قرأ القرآن وفهمه وأصبح قادراً على أن يكون شهيداً على الناس. وأقول للأخت السائلة أكثري من الصلاة والقيام وقراءة القرآن وتدبره فيطمئن الأهل إلى أنك ستكونين من الشهداء.
سؤال 5: من له الحق بالدخول على المتوفي قبل التكفين ومن يحق له تغسيل الميت؟
الجواب: رجال من أهل بيت الميت الأدنى فالأدنى إن كان رجلاً أو نساء من أهل بيت الميتة الأدنى فالأدنى وهذا لأن القريب لا يفضح الميت إن رأى فيه عيباً أو ما شابه بل يستر عليه. وسنأخذ بالتفصيل في الحلقات القادمة هذا الموضوع والرسول r كان عنه الصدّيق وبعض الصحابة فسألوه من يلي غُسلك يا رسول الله؟ قال رجال من أهل بيتي الأدنى فالأدنى. والدخول على الميت له آداب وليس كما يفعل الناس هذه الأيام وإنما يدخل عليه أولاده وزوجته وأهله كما سنشرح في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى.
سؤال 6: هل إذا عُذِّب الانسان في القبر يخفف عنه من عذاب يوم القيامة؟
الجواب: عذاب القبر لا يخفف من عذاب الآخرة ولا علاقة له بعذاب الآخرة وإنما هو عبارة عن مقعد الإنسان يوم القيامة يراه في قبره.
سؤال 7: إحدى المشاهدات اتصلت وسألت أن ابنة خالتها البالغة من العمر عشرون عاماً توفيت في رمضان ودخلت في غيبوبة مدة 13 يوماً لكنها لم تكن تصلي وكانت السائلة معها في المستشفى فطلبت منها ابنة خالتها أن تعطيها بعض الهواء علماً أنهم وضعوا لها الكسجين فلم تعرف الأخت ماذا تفعل فأخذت تهويّ لها بثيابها لكنها تشعر الآن أنها قد تكون قصّرت في حق ابنة خالتها فهل عليها وِزر؟ ثمإن السائلة لا تحافظ على الصلاة.
الجواب: لا ذنب عليك إن شاء الله ونسأل الله أن يغفر لها ويرحمها. ويجب على الإنسان أن يأخذ عظة مما يحصل أمامه وعلى السائلة أن تأخذ من هذا الموقف دافعاً لها لتحافظ على صلاتها ولا يؤلم الإنسان ساعة الموت إلا تقصيره في الصلاة والعبادات.
بُثّت الحلقة بتاريخ 29/2/2004م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty18/2/2010, 2:59 pm

الحلقة الثالثة (بداية ومراحل الخلق)
*خلق الله تعالى الخلق في أربع أنواع: خلق آدم u بدون أب ولا أم، وخلق حوّاء من ضلعه أي من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى u من أنثى بلا ذكر، وخلق بني آدم جميعاً ومنهم الرسول r من ذكر وأنثى.
وجاء في الحديث الشريف عن الرسول r أن أهل اليمن جاءوا إلى الرسول r قالوا: جئناك لنسألك عن أوّل الأمر (بمعنى كيف بدأ الخلق) ففهم الرسول r السؤال وعرف أنه يحتاج إلى إجابة منه حتى لا يترك الناس للأهواء والعبث والشيطان فقال r: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض." وفي رواية أخرى (ولم يكن شيء غيره). والماء الذي عليه العرش هو الماء كله الي خلقه الله تعالى وكتب في الذكر معناها اللوح المحفوظ. فيجب أن نجعل الله تعالى بداية تفكيرنا حتى لا ننتقل من سؤال من خلق كذا ومن خلق كذا لنصل إلى سؤال من خلق الله؟ وهذا من عبث الشيطان ببني آدم.
وللإجابة عن السؤال كيف بدأ الكون؟ يجد الإجابة في حديث الرسول r فكتابة كل شيء في الذكر كان بل خلق السمولت والأرض والحديث يتفق مع حديث آخر (إن الله خلق القلم فقال له اكتب فكتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) إذن خلق الله تعالى العرش ثم القم وأمره أن يمتب كل شيء ثم السموات والأرض وهذا كله قبل خلق آدم u. إذن آدم خُلق بعدما خلق الله تعالى له الخلق كلّه كما جاء في حديث أبو هريرة: أخذ رسول الله r بيدي وقال: " خلق الله التُربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبثّ الدواب يوم الخميس وخلق آدم آخر ساعة من ساعات الجمعة من العصر إلى الليل في آخر الخلق." لأن الله تعالى كرّم آدم على سائر المخلوقات وقال في سورة الإسراء (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) هذا التكريم يدلّ على أنه خلق آدم بين شريف (وهم الملائكة) ووضيع (الحيوان) فكان آدم وسط بين الإثنين وجعل له مفاتيح إن أخذها يستطيع أن يتقرّب من الملائكية وإذا تركها تدنّى للحيوان (بالشهوة الحيوانية) *يقال ليتيم الإنسان من فقد أبوه أما يتيم الحيوان فهو من فقد أمه لأن ذكر الحيوان يأتي شهوته ثم يترك صغاره فتربيهم أمهم. ولا يتدنى للشيطان لأن الشيطان خلق آخر مخلوق من مارج من نار. فالإنسان إما أن يكون من أولياء الله أو من أولياء الشيطان اتّباعاً وليس خلقاً وهناك فرق بين الإتباع والخلق. وحينما يصوم الإنسان يتجرّد من بشريته ويعلو ويتقرب من الملائكية بدليل ما جاء في القرآن الكريم على لسان مريم عليها السلام (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أُكلّم اليوم إنسيا) نفت كلامها مع الإنس لكن لو جاء جبريل لكلمته، فالصيام يرفع درجة الإنسان إلى درجة الملائكية وهي الطاعة العمياء لأن الملائكة جُبلت على ذلك والبشر الطائعين أفضل عند الله تعالى من الملائكة لأن الإنسان الطائع الذي أمامه الفجور والتقوى اختار الطاعة والتقوى أما الملائكة فهي طائعة بالكليّة. وقوله تعالى في سورة البلد (وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة) وقوله في سورة الشمس (فألهمها فجورها وتقواها) الإلهام هنا بمعنى الإرشاد أي أن الله تعالى يُرشد الإنسان إلى الطريقين طريق الخير وطريق الشر وهذا من رحمته ومن نعمه على الإنسان لأنه عندما يبيّن لنا طريق الشر يعيننا على تجنبه فلا نفع في المعاصي ولا نقع في شرور الأعمال وهذا من فضل الله علينا وعندما يُبيّن لنا طريق التقوى نتيعها وهذا لا يتعارض مع النفس البشرية التي جُبلت على الفطرة. إذن إلهام الفجور هو من فضل الله ونعمه علينا حتى نجتنب الفجور وما يؤدي إليه.
وإذا لاحظنا القرآن كله نجد أن الله تعالى ذكر أنه خلق بيده شيئين اثنين فقط هما آدم u (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) والسماء في قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) وهذا من باب تكريم آدم u. وهناك أربعة أمور كرّم الله تعالى بها آدم u هي:
*كرّم الله تعالى آدم بأن خلقه بيده (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) وكما أوضحنا سابقاً خلق الله تعالى آدم والسماء بيده فقط على ما نصّ عليه القرآن الكريم
*أن الله تعالى نفخ في آدم u من روحه (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) وهذا لم يحدث في أي خلق من خلق الله تعالى.
*أسجد له الملائكة (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) وهذا أيضاً لم يحدث لخلق آخر من خلق الله تعالى.
*علّمه الأسماء كلها (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة). والأسماء هي كل شيء خلقه الله تعالى حتى الكلام ولهذا لم يقل وعلّمه الكلام لأن الكلام ليس هو الأسماء أما الأسماء فهي تشمل الكلام. الكلام هو أسماء وأفعال وحروف لكن يوجد كلام ليس به أسماء وقد يكون أفعالاً وحروفاً فقط فلو قلنا مثلاً يلعب الولد بالكرة وأعربنا يلعب لقلنا أنها فعل مضارع، فإذا قلنا اعرب فعل مضارع نقول فعل مبتدأ ومضارع خبر إذن توصيف الفعل هو إسم كذلك (في) حرف جر وكلمة (في) اسم ولذلك قال تعالى علّمه الأسماء ولم يقل علمه الكلام أي علّمه الأسماء بما فيها من أفعال وحروف وكلام. ثم قوله تعالى (ثم عرضهم على الملائكة) تدل على صحة قولنا هذا وأنها ليست مجرد أسماء وإلا لقال تعالى ثم عرضها على الملائكة.
يردد الكثير من الناس مقولة أن آدم هو خليفة الله في الأرض وهذا كلام باطل وفيه كفر لأن القرآن الكريم لم يقلها أصلاً وإنما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) مطلقة ولم يقل خليفة لي. ثم إن هناك أمر آخر يقال خليفة في اللغة لمن يخلف غيره ويقوم مقامه في غياب المخلوف أو موته أو فنائه. وآدم u جاء خليفة في الأرض لمن كان قبله من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ولهذا في حوار الملائكة مع الله تعالى قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) لأنهم علموا ما فعل الجن سابقاً ثم لما أفسدت الجن في الأرض أمرهم الله تعالى بإخراجهم إلى جزائر البحور ولو فهمت الملائكة أن الله تعالى أراد أن يخلق آدم ويجعله خليفة له لما تساءلت كما ورد في الآية والملائكة أعلم بذات الله من حيث الطاعة والعبادة. ولا يمكن أصلاً أن يكون لله تعالى خليفة فالله تعالى ليس كمثله شيء، وأطرح سؤالاً مت يُعين خليفة؟ والجواب عندما يموت المخلوف ! الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه عُيّن خليفة لرسول الله r بعد وفاة الرسول r، أما الله تعالى فحيّ لا يموت ولا يجب علينا التجرؤ على الله تعالى بمثل هذه الأقوال . ومقولة الناس آدم خليفة الله في الأرض كلام خطأ باطل مفترى وكأن الله تعالى يحتاج لخليفة في الأرض وآخر في السماء وآخر في الجبال وحاشاه سبحانه وتعالى عما يقولون. البشر فقط هم من يحتاج إلى خلائف والحاكم الواحد قد يحتاج لأكثر من خليفة أما الله تعالى فليس كمثله شيء ولا يمكن أن يكون له خليفة. وقد اعتمد ابن كثير في تفسيره على قول الله تعالى (وجعلناكم خلائف الأرض) في تفسير آية سورة البقرة (إني جاعل في الأرض خليفة).
ذكرنا سابقاً أربعة أوجه لبيان قدرة الله تعالى في الخلق هي خلق آدم u، خلق حواء، خلق عيسى u وخلق باقي البشر ومنهم الرسول r، ونبيّن الفرق بينهم.
خلق الله تعالى آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض وتفرّد آدم u أنه خُلق من تراب وماء ثم كان طيناً لازباً ثم حمأ مسنوناً ثم فخاراً ثم نفخ الله تعالى فيه من روحه فتحول الفخار إلى الجسد البشري وآدم u خُلق بدون ذكر أو أُنثى. ثم خُلقت حواء من ضلع آدم u أي من ذكر بلا أنثى ثم خلق الله تعالى بقية الخلق من البشر من ذكر وأنثى فبقي أن يخلق تعالى بشراً من أنثى بلا ذكر فخلق عيسى u لتثبيت قدرته على الخلق بجميع أنواعه. وهنا نأتي لمن توقفوا عند خلق عيسى ونقول لهم كما قال تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) فيا من توقفتم عند خلق عيسى وقلتم خلق بطريقة غريبة كان الأولى بكم أن تتوقفوا عند خلق آدم فعيسى على الأقل كان له أم تحمله أما آدم فخُلق من دون ذكر ولا أنثى والتوقف عند خلق عيسى كان لمجرد الكفر لأن كان يجب عليهم أن يقولوا سبحان الله إن الذي خلق آدم بهذه الطريقة قادر على خلق عيسى من أنثى بلا ذكر.
أما بنو آدم فلننظر في آيات القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول r يتضح لنا مراحل خلق بني آدم. جاء في حديث الرسول r: " إن خلق أحدنا في بطن أمه يكتمل في أربعين يوماً ثم يصبح مضغة مثل ذلك ثم علقة مثل ذلك ثم يأتيه ملك من قِبل الله فيسأل أربع أسئلة عن رزقه وعن أجله وعن عمله وشقي أم سعيد" وفي رواية البخاري ينفخ فيه الروح قبل الأسئلة، وفي رواية مسلم ينفخ فيه الروح بعد الأسئلة، ورواية أحمد والترمذي جمعت الروايتين.
والفيصل في مراحل خلق الإنسان ما جاء في أوائل سورة المؤمنون فقد أوقع تعالى خلق الإنسان توقيعاً بليغاً فقال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) والآية تشير إلى خلق آدم (من سلالة من طين) وهو بداية الخلق ثم يأخذ من هذه البداية خلقاً آخر (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) وهذه طريقة خلق ذرية آدم u، وقد جاء في الآية في سورة الأعراف (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}) وهذا حدث في عالم الذرّ والذي فيه يتكلم الناس ويشهدون ويلبّون ويفعلون ما يأمرهم الله تعالى تنفيذاً لحكم الله ولعلم الله وقدرته. وهذه الآية هي حقيقة حصلت فعلاً وكل البشر من آدم u إلى الساعة شهدوا بوحدانية الله تعالى وحينمت أمر تعالى ابراهيم u بأن يؤذن في الناس بالحج أجاب ابراهيم وما يبلغ صوتي فقال تعالى عليك الأذان وعلينا الإبلاغ فصعد ابراهيم u فوق جبل أبي قبيس ونادى: يا بني آدم إن الله تعالى بنى بيتاً فحجّوه فأجابت كل الأرواح في عالم الغيب الأمين لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك فالذي أجاب هم كل من كتب الله تعالى له الحج أو العمرة. وفي موضوع الخلق آية سورة الأعراف دليل على أن الله تعالى أخذ من أصلاب الآباء الحيوانات المنوية التي ستصبح بشراً فيما بعد. ولماذا أشهدهم الله تعالى على أنفسهم في عالم الذر؟ أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، غير المسلم يأخذ باله وينتبه جيداً للتكنولوجيا وآخر المستجدات والأبحاث والإكتشافات العلمية ول يأخذ باله او يتفكر في بمن أوجد كل هذا الكون وخلقه من عدم بما يدلّ على وجود الخالق العظيم. وقد سُئلت امرأة على الفطرة هل جاءك الإسلام فقالت لا قالوا كيف عرفت أن الله واحد فأجابت البعرة تدل على البعير والخطى تدل على المسير كونٌ له بحار وأرض وجبال ألا يدل ذلك على وجود الحكيم الخبير؟. وابراهيم u لما خرج يتأمل في الكواكب يبحث عن الخالق لم يقتنع بأي من الكواكب أن تكون ربه لأنها كانت تأفل والآفل هو المتغير فقال ابراهيم في نفسه إن الذي يتغير له مُغيّر فالمغيّر هو الذي يستحق العبادة. وهو أولى بها. بقي ابراهيم u يبحث في المتغيرات إلى أن وصل إلى الذي يُغيّر ولا يتغيّر فقال (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلما) وابراهيم u كان من الذين اشهدهم الله تعالى على أنفسهم، فالفطرة السليمة تصل بالإنسان للتوحيد وآيات الخلق في سورة المؤمنون تدل على أن الفطرة السليمة تصل بالإنسان إلى الإله الحقّ.
شرّف الله تعالى آدم كما قلنا سابقاً إن خلقه بيده فكيف أعصاه؟ ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته ومن ضمن التشريف لآدم أن الشيطان لم يسجد له لأنه عاصي والتشريف الرابع أنه علّمه الأسماء كلها (علّم الإنسان ما لم يعلم) فلا يجوز للإنسان أن يقول اخترعت لكن يجب أن يقول اكتشفت لأن الإختراع أن تنشئ الشيء والمنشيء والواجد هو الله تعالى وأما البحوث فتصل بالإنسان إلى اكتشاف الأشياء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty18/2/2010, 2:59 pm

أسئلة المشاهدين:
*تحدثت في لقاء سابق عن توبة الملائكة فهل لك أن توضح لنا ماهية هذه التوية؟ الملائكة تابت توبة إنابة إلى الله تعالى عندما قالت في سورة البقرة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {32}) باعتبارهم قالوا بغاية الإستفسار (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فقال الله تعالى (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) والملائكة عندما تكلمت تكلمت في نفسها (أن الله تعالى مهما خلق من خلق فلن يكون أكرم منّا على الله) ثم تنبهوا وتابوا إلى الله توبة إنابة لا توبة عن معصية لكن توبتهم كانت عن مجرد استفسارهم وسؤالهم أصلاً لم يكن من باب الإعتراض وإنما من باب الإستفسار. والإستفهام لغة الغرض منه الإستفسار فعندما نسأل مثلاً أنجح الولد لا يكون استفهاماً بل تحققاً ويدل على أن الولد نجح لكن أتأكد فقط. والملائكة جُبلت على الطاعة ولم يكونوا يعترضون على الله تعالى لكن كما قلنا سؤالهم كان سؤال استفسار لأن الملائكة علمت أن الجنّ سبقت آدم في الأرض وأفسدوا وسفكوا الدماء فظنوا أن من يكون على الأرض يكون وظيفته الإفساد وسفك الدماء ولهذا سألت الملائكة والآية فيها كلام كثير ربما تعرضنا له في حلقات قادمة.
*وسأل المشاهد عن الشيطان وكيف سُلّط على آدم حينما رآه مخلوقاً أجوفاً والله تعالى صمد. الشيطان سُلّط علينا من كل جانب (لئن سُلّطت عليه لأغوينه) ونسمع كلامه بدليل المعاصي التي يرتكبها الإنسان فهي إما أن تكون من هوى النفس أو من الشيطان. ويحذرنا الله تعالى من اتباع الشيطان في قوله (إن الشيطان كان لكم عدواً فاتخذوه عدوا) ونحن نسمع كلامه على مدار اليوم ونتبعه مع أن الشيطان ليس قوياً بدليل قوله تعالى (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
*ما الحكمة من خلق الشيطان؟ الشيطان بما له وما عليه من تركيبة عبادته أن يُغوي ابن آدم وعلى هذا الشيطان يؤدي وظيفته أحسن من البشر فقد قال لربه (وبعزتك لأغوينهم أجمعين) وهو يؤدي هذه الوظيفة أما نحن فلم نفعل ما أمرنا الله تعالى به وهو أن نحذر الشيطان ونجتنبه وعدم اتباعه. ولو فتشنا في القرآن كله نجد أن البشر إما أن يكونوا في معيّة الله تعالى أو في معيّة الشيطان . وخلق الشيطان ينطق بالحكمة التي من أجلها خُلق وهي غواية البشر (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {13} سورة السجدة) (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ {85}ص). فالإنسان عنده فرصة الطاعة أو المعصية واتباعنا للقرآن والرسول  والسنة النبوية يوصلنا إلى الجنة باذن الله ومن يتركهم يكون مصيره إلى النار والعياذ بالله. والشيطان يوسوس لكن لا يوجد مقابله ملك يقول لك لا تفعل وإنما مقابله قرآن كريم وحديث الرسول  فالعقيدة هي الأساس ونحن للأسف أسأنا فهم القرآن وفهم الرسول  وأسأنا طاعة الله تعالى وطاعة رسوله  فكان البديل ما نحن عليه.
*سبق أن تحثت عن إعجاز عددي في بعض سور القرآن فهل لك أن تحدثنا عنها؟ سبق أن قلت في لقاء سابق أنه في سورة محمد الآية 13 (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ {13}) إشارة إلى 13 سنة قضاها الرسول  في مكة، وفي سورة التوبة (الجزء العاشر) إشارة إلى 10 سنوات قضاها الرسول  في المدينة. وفي نهاية الجزء 23 الآية (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}الزمر) إشارة إلى موته  بعد ثلاث وعشرين سنة من الدعوة.
*ما أهمية الإستبراء من البول بناء على ما جاء في الحديث الشريف عن الذين يعذبان وما يعذبان في كبير؟ كان أحدهما لا يسبرئ من بوله؟ البول نجس والنجاسة تُخرج الإنسان من معية الملائكة إلى معيّة الشيكان والله تعالى كرّم بني آدم. ومفاح الجنة أمرين الصيام والصلاة فالصيام يرقى بالناس إلى الملائكية والصلاة التي مقدمتها الوضوء تجعلك في معية الملائكة فإذا عاش الإنسان على وضوء فحياته كلها تكون في معيّة الملائكة وقد جاء في حديث الرسول  عن بلال رضي الله عنه أنه قال له إني لأسمع دف نعليك في الجنة فقال بلال رضي الله عنه ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين لله سنة وضوء. فالإنسان الواعي عليه أن يكون على وضوء دائماً حتى يبقى في معية الملائكة لأنها تبتعد وتتأذى من النجاسة. وفي حديث آخر للرسول  عن المحتضر بأن لا يدخل عليه لا جُنُب ولا حائض ولا نُفساء لأن الملائكة تتأذى من النجاسة. والذي يتبول عليه أن يستبرئ من البول ويتطهر بالماء ثم يتوضأ فيكون في معية الملائكة إن كانت هذه حاله دائماً.
*شرح آية في سورة الأعراف 172 قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172}) . هذه الآية تحكي قصة الخلق أن الله تعالى جبل بني آدم على الفطرة السليمة ونحن في عالم الذرّ بالفطرة السليمة وحّدنا الله تعالى حتى من جاء بغير الإسلام كلهم شهدوا بالوحدانية لله تعالى. في عام 1985 في مؤتمر طبي في القاهرة رأينا إن الحيوانات المنوية التي يمكن أن تُلقّح البويضة تطوف حول البويضة 7 مرات عكس عقارب الساعة حتى الإلكترونات تدور عكس عقارب الساعة 7 مرات وهذه العملية تماماً كاطواف حول الكعبة وهذا يدل على أن كل شيء سيُخلق يُعلن التوحيد قبل خلقه. فالمولى بعزته وجلاله أسلم له من في السموات والأرض (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {83} آل عمران) فالمسلم وغير المسلم عندما يستيقظ صباحاً لا يمكن أن يعمل شيئاً لا يريده الله تعالى فهو مسلم كرهاً. وهذا يقودنا إلى سؤال آخر ويحتاج لحلقة بكاملها لتناوله وهي هل الإنسان مخير أو مسيّر. ونقول الآن باختصار أن الإنسان مخيّر في أمور العقيدة والعبادة والقضية يجب أن تدور في فلك علم الله تعالى وعلمه سابق أزلي، علِم الله أن سأكون في الجنة أو في النار وهذا لا يتناقض مع كوني أختار الإيمان وعكسه، ومنتهى علم الله شيء وكوني أختار شيء آخر وما أختاره أيضاً في علم الله وهذا ما أوجد لبساً عند الناس. وهناك من قال أن الإنسان مسيّر مطلقاً ومنهم من قال أنه مخيّر مطلقاً ومنهم من قال مسيّر في أمور ومخيّر في أمور أخرى.
*ما تفسير الحديث الشريف (ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)؟ هذا الحديث هو تتمة حديث الخلق الذي ذكرناه سابقاً. نحن لا نعلم قضاء المولى لي بالجنة أو بالنار لكن كفاني فخراً أن الله تعالى اختارني مسلماً وكوني مسلماً يحتم علي منطقياً أن انطلق في الطاعات والعبادات لا بالمعاصي لئلا أُقبض عليها. وفي حديث الرسول  تحذير شديد وتوجيه إلى المداومة على الطاعة وعدم الإقتراب من المعاصي مهما صغّرها الشيطان في النفس فقد تكون هذه النهاية. المسألة تعود إلى الله تعالى من عاش في الطاعات ثم قرر مثلاً أن يذوق الخمر ثم قُبض على ذلك فكأنه كفر بكل ما سبق من طاعات. والله تعالى يشتر العصاة ليعطيهم فرصة للعودة والطاعة وحتى لا يكونوا قدوة لغيرهم، فمن نعم الله علينا ستر المعاصي وكأننا بالله تعالى يجعلنا على الطاعة فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. فالسارق يستره الله تعالى حتى لا يراه غيره ويقتدي به.
*كيفية الإستواء على العرش؟ الإستواء معلوم والكيف مجهول ونحن نقول سمعنا وأطعنا. هذه المسألة حيّرت الفلاسفة والعلماء والرسول  علّمنا أن لا نقول كيف وأين ولماذا؟ وقوله تعالى (وكان عرشه على الماء) استخدامه له حكمة وهي أزلية كل شيء بالنسبة لله تعالى.

*هل صحيح أن موسى عليه السلام وآدم رفضا ملك الموت عندما جاء ليقبضهما؟ موت آدم وموسى يفيدنا أن الموت يُرعب الناس جميعاً لكن يجب أن يُحب الناس لقاء الله حتى يُحب الله لقاءهم ويجب أن يكونوا مستعدين للموت. وعندما خُلق آدم رأى داوود فقال من هذا؟ قال نبي من آخر الزمان قال كم عمره قال ستون عاماً قال رب اتممهم مئة فقال تعالى لا يمكن أن اكمله إلا من عمرك فأخذ من عمر آدم أربعين عاماً (وهذا اختبار) وعاش آدم  ألف عام إلا أربعين عاماً جاءه ملك الموت فقال من أنت قال ملك الموت قال ماذا تريد قال ألم تُعطي داوود أربعين عاماً من عمرك فقال لم يحصل فقال النبي  فجحد آدم وجحدت ذريته من بعده ونسي آدم ونسيت ذريته. والشاهد من هذه القصة أن تُعطي وعداً ولا تنفّذه. أما موسى  فقد فقأ عين ملك الموت (صكّه) وفي رواية فقأ عينه وقال لا أريد أن أموت وعاد ملك الموت إلى ربه فقال عد إليه فقال إن الله أمرك أن تضع يدك على جسم ثور وسيزيد في عمرك على قدر الشعرات التي يمسّها كفك فقال موسى ثم ماذا قال الموت فقال إذن الآن. والشاهد من هذه القصة أن الموت قادم لا محالة وعلى الإنسان الإستعداد له وقال الرسول  أكثروا من ذكر هادم اللذات (أي الموت) وقال أيضاً (من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه). ولما جاء ملك الموت للرسول  الذي فهم الموت وهو مؤمن بقضاء الله ويعرق قيمته عند ربه قال: "إن عبداً خيّره الله بين " فحزن أبو بكر وفهم كلام الرسول  بأن الأجل قد دنى. وكذلك موسى لا نقول أنه كره الموت لكن مهابة الموت في النفوس تجعلنا على هذا أما الرسول  فيعطي القدوة والمثل بالإستعداد للموت لأن المسلم مؤمن بالموت أنه آت لا محالة مصداقاً لقوله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty18/2/2010, 3:00 pm

الحلقة الرابعة
موضوع الحلقة: كُنه الموت وآيات الموت في القرآن
نلخصّ في بداية الحلقة ما أوردناه في الحلقة السابقة حول الفهم الخاطيء للكثيرين الذين يقولون أن آدم خليفة الله على الأرض وهذا الأمر شاع خطأ بين الناس وكأنهم يتقولون على الله تعالى وحاشا لله أن يكون له خليفة في الأرض أو في غيرها. وتوصيف الله تعالى ليس كمثله شيء فإذا صحّ لأي مخلوق أن يكون له خليفة لا يمكن أن يكون لله خليفة حاشاه سبحانه. ومن المؤسف أننا سمعنا أحدهم يقول هكذا قال الله تعالى ويستشهدون بآية سورة البقرة فقلنا له أن هذا خطأ شائع وانظر إلى الآية في سورة البقرة فقد جاء فيه قوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) ولم ترد في الآية أنه تعالى قال خليفة لي أو نحوه وإنما قال خليفة في الأرض فعندما تبيّن له خطأه بكى واستغفر ربه. لذا يجب علينا أن نعيش الآية كما أرادها الله تعالى ولو ظنّت الملائكة أن الله تعالى سيجعل خليفة له فهل تتجرأ وتتساءل أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ فإذن توصيف الخليفة في منتهى الخطورة وبعضهم يقولون أن آدم خليفة الله كما كان الصّديق خليفة للرسول r فكأنهم يشبّهون الصدّيق بآدم u والرسول r بالله تبارك وتعالى سبحانه وتعالى عما يقولون.
ومعنى خليفة كما أوضحنا في حلقة الأسبوع الماضي هو إما أن يكون خليفة على رأس ذرية يخلف بعضها بعضاً أو خليفة لمن سبقه من الجنّ لذا قالت الملائكة (أتجعل فيها من يُفسد فيها)ويمكن أن يكون ما قالته الملائكة في نفسها (ليخلق الله تعالى ما يخلق سنكون أكرم على الله من هذا الخلق) لذا أدخلهم الله تعالى في الإختبار الحقيقي عندما سألهم عن الأسماء بعد أن علّمها لآدم u ولم يعلّمها لهم (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة)فلم يعلموا وقالوا (سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا) وقلنا أن قولهم هذا يُعتبر بمثابة توبة إنابة وأكدوا على قوله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون).
ويأتي السؤال لماذا قال تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم) فلماذا قال تعالى عرضهم ولم يقل عرضها؟ وقلنا أن من الكلام ما ليس إسماً وقلنا أن الأسماء تشمل الكلام كلّه فالأفعال والحروف والأسماء هي أسماء (توصيف الفعل إسم وتوصيف الحرف إسم). أراد الله تعالى الكلمة بيقين فعلّمه كل شيء كما جاء عن ابن عباس. وهذا التعليم آدم u يصل إلينا إلى الآن مصداقاً لقوله تعالى (علّم الإنسان ما لم يعلم) والذين يصلون إلى الفضاء الخارجي والقمر وغيره لم يصلوا إلا بفضل الله تعالى ولذلك يجب علينا أن لا نصف العلماء بأنهم اخترعوا وإنما الأصح أن نقول اكتشفوا. مثلاً من علِم أن الحديد مطاوع لم يخترع شيئاً وإنما اكتشف هذه المعلومة والحديد مطاوع قبل أن يكتشفه أحد، فالفضل كلّه راجع إلى الله تعالى بآية (وعلّم الأسماء كلّها).
ويسأل مقدّم البرنامج إذا كانت الجنّ مخلوقات من نار وكانت تسكن الأرض قبل آدم فما معنى تسفك الدماء للجانّ؟ هذا تعبير مجازي وبعض العلماء يؤكدون وجود آدميين على الأرض قبل آدم ولكننا سنعود لهذه النقطة بالتفصيل في حلقات قادمة في تفسير القرآن الكريم من القرآن نفسه والسنّة الصحيحة (وننوه هنا أن الدكتور هداية لا يستشهد إلا بالقرآن الكريم و بالأحاديث الصحيحة فقط).
ونسأل كيف جاءت الذرية من آدم وحوّاء ؟ بعدما هيّأ الله تعالى السموات والأرض خلق تعالى آدم ثم حوّاء ثم الذرية. الزواج من الإخوة لا يجوز لكنه في بداية الخلق كان جائزاً حتى يتم إعمار الأرض بالذؤية. وقد حملت حواء بعشرين بطناً فيهم أربعون ولداً (والولد تطلق على الذكر والأنثى) في كل بطن ذكر وأنثى وكانت الحكمة الإلهية أن يتزوج ذكر البطن الأول من أنثى البطن الثاني والعكس بالعكس وهذا سبب مشكلة قايبل وهايبل، فقابيل أراد أن يتزوج أخته من نفس البطن أما هابيل فأراد أن يطبّق ما حكم به آدم وهو التزوج بالخلاف وهذا ما سبب أول عملية قتل على وجه الأرض. وزواج الإخوة هذا هو استثناء ليبدأ إعمار الكون لأن الفطرة السليمة ترفض هذا الأمر ثم استقرّت الأمور بعد ذلك في عهد سيدنا ابراهيم u واتضحت الأمور أكثر في الإسلام قوماً بعد قوم وصولاً إلى عهد الرسول r حيث حُددت الأمور كلها . فالإسلام دين وديانة والإسلام دين الله تعالى من آدم إلى رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً وأراد الله تعالى أن يختتم الديانات لأهل الأرض فسمّى ديانته باسم الدين العام فالشرع العام عند الله الإسلام. وإسلام الأنياء قبل محمد r هو دين فقط فاليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام، وقد جاء موسى u وكانت ديانته اليهودية والدين الإسلام والكتاب التوراة والمعجزات تسعة منها العصى واليد والجراد والدم ةالضفادع، وعيسى رسول ديانته النصرانية ودينه الإسلام وكتابه التوراة ومعجزاته إحياء الموتى بإذن الله و إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، أما محمد r ديانته الإسلام ودينه الإسلام وكتابه القرآن ومعجزته القرآن ورسالته القرآن، فالإسلام دين وديانة يظهر عنده الإسلام بكامل صورته من حيث الدين والديانة أما ما سبقه فالدين هو الإسلام والديانة تختلف وكذلك الرسالة والكتاب والنبوءة. وقد أرسل تعالى 124 ألف نبي منهم 115 رسول منهم خمسة من أولي العزم على رأسهم محمد r.
كُنه الموت وآيات الموت في القرآن الكريم:
قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ {2} سورة الأنعام) هذا عين الإبتلاء، فإذا عرف الإنسان أنه سيموت في تاريخ محدد فسيلعب ويلهو إلى ما قبل موعد موته فيعمل صالحاً ويُحسن العبادة ولو استعرضنا القرآن بهذا الترتيب النعجز بجمعه للقرآن نصّاً وفعلاً لتأكدنا أن الله تعالى هو الذي جمع القرآن وحفظه. في بدايات سورة البقرة يقول تعالى (الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4}) هذا الغيب فيه غيبيات خمسة استأثر بها الله تعالى لا يُطلع عليها أحد من خلقه وهذه الغيبيات وردت في ختام سورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34}‏) وحتى يصحّ إسلام أي مسلم يجب أن يؤمن بهذه الغيبيات الخمسة وهذا هو الغيب المقصود في آية سورة البقرة. وفي مؤتمر عقد في عام 1985 أو 1986 تحدثوا فيه عن السونار (وهو جهاز يكشف المولود في رحم الأم) ودائماً هناك من يتطاول على الإسلام فقال أحدهم أن هذه الآية عن الغيبيات التي تتحدثون عنها خطأ ولم تعد صالحة لأننا الآن بهذا الجهاز يمكن أن نعرف ماذا في رحم الأم، فقلنا له أنت لم تعرف الآية فقد قال تعالى (ويعلم ما في الأرحام) ولم يقل (من) وأنت بهذا الجهاز تعرف من في الرحم. (ما) هنا هي ما المبهمة شاملة ولا يعرف أحد عن الذي في الرحم هل هو شقي أو سعيد، غني أو فقير، مسلم أو كافر إذن أنت تعرف جزئية واحدة فقط من (ما) التي جاءت في الآية ولو عرفت كطبيب ما نوع المولود فلن تعرف أكثر من ذلك فبقية ما يعرفه الله تعالى لا يعلمه سواه وهذا من الغيبيات ومن تمام الغيبيات. (ولا تدري نفس بأي أرض تموت) حتى المعاد غير معروف وليس فقط المكان، ولو أقررنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى يجب أن نفطن إلى أدق الآيات عن الموت وهي قوله تعالى (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ {19} سورة ق) وهذه الآية هي الآية المحورية عن الموت. قيل في هذه الآية كلام كثير لكن عجباً نسمع من كلام الصًدّيق عندما يُفسر هذه الآية يقول رضي الله عنه وجاءت سكرة الموت بالحيق وجاءت سكرة الحق بالموت وهي تساوي بعضها فاعتبر أن الموت حق فمهما كان التعبير فالمعنى واحد. وهذا التفسير تفسير رجل فهم كُنه الموت بدليل ما جاء بعدها (ذلك ما كنت منه تحيد). من المخاطب هنا في الآية؟ قسم من المفسرين قال المخاطب هو الكافر فقط وقسم آخر قالوا أن المخاطب هو الإنسان على وجه الإطلاق. وهذه الآية تحدث أمامنا كل يوم يحدث موت ويحث لطم وشق جيوب وصراخ. فما معنى كلمة (بالحق) وما هو الحق الذي يأتي به الموت؟ الحق هو كل ما رفضه أو غاب عنه أو كفر به الإنسان وكأن الموت حين يأتي يأتي لصاحبه بالحق وإن كان صاحبه على كفر فيعلم أنه كان على خطأ فيقول (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {100} سورة المؤمنون) لماذا يقول هذا الكلام؟ لأنه في هذه اللحظة عرف الحقيقة فتمنّى أن يعود للدنيا فيعمل وهذه الآية توضح أن الله تعالى لا يظلم أحداً بدليل أن هذا الكافر أو المشرك عندما يتبين له الحق عند الموت يقول (لعلّي أعمل صالحا) ولا يقول (سأعمل صالحاً) وهذا دليل على أنه لو عاد فسيعمل كما كان يعمل سابقاً مع أنه علم الحق وهذه توضح أن الله لا يظلم أحداً سبحانه وهو سبحانه ليس بظلاّم للعبيد وهذه حقيقة لأنه لو عاد الذي مات لعمل ما كان يعمله سابقاً بنفس الأسلوب وطبعاً لو أنه أراد أن يتعظ لاتعظ من غير ذلك ، ويردّ تعالى عليه (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {100} سورة المؤمنون) ولم يُرد تعالى أن يكلّمه وإنما تكلّم عنه وقضى الأمر (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). فالآيتان في سورة ق وسورة المؤمنون تؤخذان مع بعضهما .
الموت هو في الحقيقة نقيض الحياة وتحدثنا في الحلقات السابقة عن كيف بدأ الخلق وأخذنا مثالاً على ذلك وهو خلق آدم وقلنا أن سهم الموت يسير بعكس سهم الحياة فالروح التي هي آخر ما يدخل إلى الجسد في مرحلة الحياة تكون أول ما يخرج من الجسد في حالة الموت. وتدخل الروح في الصلصال الذي كالفخار فيتحول إلى جلد ودم وعظم والجسد البشري كما نعرفه أما في الموت فتخرج الروح أولاً ثم ينشف الجسد ويتصلّب (صلصال كالفخار) ثم يطرى فيتحول إلى حمأ مسنون إذا تُرك من غير دفن فينبتن فإذا دُفن تحول إلى طين ثم يتحلل الطين إلى تراب وماء. والروح تخرج من الرجلين أولاً ثم تصعد ‘لى الركبة ثم الصدر ثم الحلقوم ثم تخرج وإذا كان هناك من يحتضر وجاءه الطبيب يتأكذ من احتضاره بشكّه بإبرة في رجليه فإذا لم يشعر بها يعلم أن الروح قد غادرت الرجلين ثم يشكّه في ركبته وهكذا ويعلم أن المحتضر سيموت بعد ساعات قليلة أو كثيرة، ويقال أن أول ما دخلت الروح في آدم من رأسه عطس.
وفي القرآن الكريم آيتين تحسمان هذا الموقف للبشر وهما آية سورة الواقعة (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ {83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ {84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ {85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ {86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {87}) وآية سورة القيامة (كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ {26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ {27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ {28}). وهاتات الآيات تقضيان بعجز الإنسان في موقف الموت عن أخيه الإنسان وآية سورة الواقعة (فلولا إذا بلغت الحلقوم) (لولا) هنا للتحضيض مثل هلاّ ستصل إلى الحلقوم آجلاً أو عاجلاً وأنتم تنظرون إلى المتوفّى ولا تبصرون وهذه تدل على عجز الإنسان الذي يقطع به الله تعالى حتى يستعدّ الإنسان للموت إذا حضر وفاة أحدهم. والبصر هنا من البصيرة كأنك ترى ولا تُبصر ببصيرتك ولا تتعظ فأثبت تعالى البصر في هذه الآية ولم يُثبت الرؤية، وقد يكون من بين الحاضرين للوفاة رجل مكفوف لكنه يُبصر ويعلم حقيقة الأمر وأن هذا الأمر أي الموت حق وأنه آت لا محالة فكم يذهب الناس في جنازة أحدهم ثم يعودون وينسون ما كان وهذه هي المشكلة فالميّت أفضى إلى عمله أما الذي يبقى على قيد الحياة يجب أن يتعظ ويقول بعد رجوعه من الجنازة: الحمد لله الذي نجّاني في هذا اليوم وأبقاني على قيد الحياة حتى أتوب إلى الله وأرجع إليه وأصحح أعمالي وأتذكر قوله تعالى (قال رب ارجعون) وأن الذي يموت يتمنى أن يعود ليعمل صالحاً. والذين يبكون على الميت حين وفاته قال كثير من علماء النفس إنهم إنما يبكون على أنفسهم إذا آلوا إلى نفس هذه اللحظة لأن القضية خطرة جداًَ فلو كان البكاء على فقد المتوفى فعلاً لا يعود الإنسان بعد دفن الجثة فيتزوح مثلاًوهذا يحصل في حياتنا وعلى المسلم أن يتعلم واجب الأحياء تجاه الأموات التي أمرنا بها الرسول r من تلقين الميت وغسله وتكفينه والصلاة عليه ثم دفنه والدعاء له بالتثبيت وهذا ما سنتناوله في حلقة قادمة بإذن الله. والموت مخلوق يترقب كل حيّ وقلنا أن النفس هي جماع الروح والبدن والتي تخرج ساعة الموت وساعة الوفاة هي الروح وسنتكلم في حلقة الوفاة عن تلقّي ملك الموت للروح والفرق بين روح المؤمن وروح الكافر من الحديث الصحيح الذي ورد بهذا الخصوص. وفي آية سورة الواقعة قوله تعالى (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) أي لو لم تكونوا خاضعين لله ترجعونها إن كنتم صادقين فمن يستطيع أن يُرجع الروح وإلى أين يرجعها؟ إلى البدن؟ هذا غير ممكن لأنها تكون كعملية الخلق أو يرجعونها إلى جسد المتوفّى وهي ما زالت في الحلقوم وهذا أيضاً غير ممكن فطالما أنكم غير قادرين فأسلِموا وآمنوا وهذا هو مراد الله تعالى في تحقيق آيات الموت في القرآن.
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته*********** فإنه على آلة حدباء منقول
فإن حملت اليوم إلى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول
أما في آية سورة القيامة اختلف المفسرون فيها قسم قالوا قيل مَن، وقسم قال قيل مَن. وأهل اللغة يوقولون طالما لم يقل قالت أو قال وبيّن الفعل ولم يسمي الفاعل يكون بمعنى مَن أهل المحتضر من يرقيه أو يشفيه والرقية عند العرب تشفي وتُذهب المرض (أي من يرقي هذا الميت المحتضر؟) والميّت تُطلق على الذي مآله إلى الموت والذي تحضره الوفاة (إنك ميّت وإنهم ميّتون) والخطاب كان للرسول r وهو ما زال حيّاً، أما الميت بتسكين الياء فهو الذي مات ودّفن. ويقال للمحتضر ميّت وللذي خرجت روحه ميت بتسكين الياء.
حينما نقرأ في آية سورة القيامة (كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ {26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ {27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ {28}) هذا الظنّ هو بمعنى العلم لأن مراحل الإدراك عند الإنسان أربعة:
*العلم وهو إدراك اليقين وهو أن ألعلم حقيقة كنه قضية ما مئة في المئة وهذا لا يكون للبشر وإنما لله تعالى فهما علَم الإنسان من قضية ما لا يمكن أن يصل إلى معرفتها بكامل نواحيها مئة في المئة. فإذا علمت قضية مئة في المئة أكون قد أدركت اليقين واليقين بإطلاق هو الموت وهو الحقيقة المؤكدة مصداقاً لقوله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) وكما قلنا هذا مستحيل للبشر وإن بدا لنا ذلك وإحاطة الأمر لا يكون إلا لله رب العالمين الذي له العلم المطلق سبحانه بدليل قوله تعالى مخاطباً رسوله r (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) استخدام ألم تر تعني أن الله تعالى سيخبر نبيّه r عن هذه الأمور التي جرت إخبار من رأى بل هو إخبار الله تعالى الرائي الأعظم وكأنك يا محمد حاضر.
*الشك وهو مرحلة تساوي بين الطرفين: إذا تساوي علمي وجهلي بقضية ما يُسمى الشك فإذا علمت قضية بنسبة 50 في المئة وجهلتها بنفس النسبة أكون شاكاً.
*مرحلة الوهم وهي مرحلة إدراك الطرف المرجوح كأن يكون جهلي بقضية ما بنسبة 60 أو 70 في المئة وعلمي بها بنسبة 40 أو 30 في المئة أي أن نسبة الجهل أكثر من نسبة العلم فأقول أنا أتوهم القضية.
*مرحلة الظنّ وهي مرحلة إدراك الطرف الراجح: فإذا كانت نسبة العلم بالقضية 60 أو 70 في المئة ونسبة الجهل 40 أو 30 في المئة أكون ظانّاً أي أن نسبة العلم أكبر من نسبة الجهل بالقضية وهذا هو توصيف القرآن لكل علم البشر كما في قوله تعالى (وظنّ أنه الفراق) لا يقول علِم أنه الفراق فهو تعالى يستعمل أقرب نسبة للعلم وهي الظنّ فجاء التعبير بلفظ ظنّ وكذلك في قوله في سورة الحاقة (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ {19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ {20}) الذي سيأخذ كتابه بيمينه لا يقول إني علمت أني ملاق حسابيه ولا يمكن أصلاً أن نقول علِمت بحضرة علاّم الغيوب أدباً فيأتي بأقرب نسبة للعلم وهي الظنّ. وهكذا فعل تعالى بالموت(من راق) من الموجودين حول الميت من يرقيه؟ لا يستطيع إنسان ذلك لأن هذا يتطلب إرجاع الروح إلى الجسد فلذا قال في الآية (وظنّ أنه الفراق) إما مفارقة الحياة وإما مفارقة الروح للبدن وفي الحالتين سيموت. و(من راق) يحتمل أن تكون كلام ملك الموت بمعنى من يرقى بهذه الروح إلى بارئها فإن كان مؤمناً ترقى به ملائكة الرحمة وإن كان كافراً قتتلقاه ملائكة العذاب ومن رائحته النتنة لا يمرون على سماء إلا قالت الملائكة قيل من صاحب هذه الروح الخبيثة ويُطلقون عليه أقبح ما كان يطلق عليه في الدنيا من ألقاب.
ولأننا عاجزين عن إرجاع الروح لجسد المتوفّى علينا أن نعود إلى الله تعالى وكم سمعنا عن أناس عادوا إلى الله تعالى بعدما حضروا وفاة أحدهم لأنهم تخيلوا أنهم قادمون على مثل هذا الموقف الكبير الذي لا يقدر عليه أحد لذا كلام الرجل في قبره لملائكة الحساب ينمّ فعلاً عن صدق الله تعالى في الآيات الأولى من سورة البقرة (الذين يؤمنون بالغيب وبالآخرة هم يوقنون) تيقنت من الآخرة بداية بالموت أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون فمن تيقن بالآخرة ثم الموت والحساب عليه أن يعمل لها بدليل قوله تعالى في سورة الإسراء (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا). واليقين سُمي الموت (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق المطلق هو ضد الباطل وعندما تأتي سكرة الموت بالحق فالذي على باطل يعلم تماماً الحق عندما يأتيه لأنه ضد ما كان هو عليه تماماً كأنك لو لم تذق المالح لا تعرف طعم السكر والضدّ يُظهر حسنه الضِدُّ. فيجب أن نعيش هذه اللحظة وكيف أن الله تعالى أعجزنا أمام أنفسنا وساعة حضور الوفاة ساعة قاطعة وأسأل الله عندها أن نعيش هذه اللحظات ثم نعرف أنه بخروج الروح من البدن ستبدأ حياة جديدة خاصة بالأموات سمّاها تعالى حياة البرزخ كما في قوله تعالى (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وهو حاجز بين عالم الأحياء وعالم الأموات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty18/2/2010, 3:00 pm

أسئلة المشاهدين خلال الحلقة:
سؤال: سأل أحد المشاهدين أن والده توفي منذ سنة ونصف في 12 رمضان بعد صراع مع مرض السرطان على مدى عامين فهل هذا يعتبر كفارة للذنوب؟
الجواب إن شاء الله نسأل الله تعالى له الرحمة فكما قال الرسول r (حتى الشوكة يشاكها) تكون تكفير ذنوب ورفع درجات ومن مات أفضى إلى عمله لكن نأخذ من السؤال عبرة ودرساً لنا ونرى كم يتألم هذا الإبن على أبيه حتى يطمئن على مصيره ونحن نحسبه على خير إن شاء الله ونأخذ من هذه الأسئلة عبرة لآنه رغم علمنا أن الموت قادم لا محالة هناك من ينصرف عن هذا المعنى ثم فجأة يداهمه الموت فيقول كالذي ذكره تعالى في القرآن (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون) فإذا جاءه الموت لا يستقدم ساعة ولا يستأخر ساعة. وضربنا مثلاً في الحلقة السابقة لما جاء ملك الموت لموسى u. إذن علي أن أعمل صالحاً في كل شيء من حيث العبادات والمعاملات حتى إذا جاء الموت أكون مستعداً له لأن الموت سيدركنا حيث كنا (يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة).
سؤال: وعد الله تعالى المؤمنين الصالحين بالحور العين في جنات النعيم فهل للمؤمنات الصالحات حور عين؟
الجواب: هذا أيضاً خطأ شائع فمن قال أن الحور العين للرجال. ولا يمكننا أن نصنّف الحور في جنس ما لأن القرآن لم يحدد وهم ليسوا إناثاً بل أن القرآن الكريم نفى أن تكون الملائكة إناثاً ولا يعتبر الحور العين إناثاً وسنثبت ذلك في الحلقات التي تتحدث عن الجنة وما فيها.
سؤال: سألت إحدى المشاهدات عن أنهم سابقاً كانوا يجهلون أن شق الجيوب ولطم الخدود لا يجوز أنهم قد عملوا هذه الأمور فما الحكم في ذلك وهل يُعذّب الأموات بهذا؟
الجواب: لا أريد أن ألوم أحداً أو أعاتب لأن الله تعالى وسعت رحمته كل شيء (لمّا خلق الله الخلق كتب فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي) لكن لا يليق بالمسلم أن يُغضِب رب العالمين وكما علّمنا رسول الله r أن الصبر عند الصدمة الأولى كما في حادثة المرأة التي كانت تلطم فقال لها الرسول r اصبري قالت دعك عني لأنها لم تعرفه فانصرف عنها ولما علمت أنه رسول الله r ذهبت إليه لتعتذر وتستغفر الله فقال لها إنما الصبر عند الصدمة الأولى. فالموت ابتلاء للكل ما عدا الميّت (هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فالحياة ابتلاء للكلّ والموت ابتلاء للأحياء وليس للميت. ومن هنا أسأل الله تعالى أن يثبتنا جميعاً وكم من مسلم يموت أعزّ إنسان عنده لكن يقينه بالله تعالى يجعله يقول: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون. وكما قلنا سابقاً أن علماء النفس قالوا أن الإنسان يبكي على حاله عندما يموت أحد ما والبكاء يجب أن يكون في حدود عدم خروج الصوت أو النحيب كما علّمنا رسول الله r (إن القلب ليخشع وإن العين لتدمع) فدلّ على أن الحزن في القلب. ونقول للأخت عفا الله عمّا فعلوه وهذا يحتاج إلى التوبة والتوبة هي الندم وطلب المغفرة فالمسلم الحقّ يحزن أكثر حتى أن منهم من يموت حزناً على فقد أمه أو أبيه أو ولده. لكن يجب علينا التسليم لله تعالى ولهذا اختار الرسول r توصيف حالة القلب (إن القلب ليخشع) التي هي أسمى مراحل التسليم لله تعالى.
والسؤال هل يشعر المتوفى بها نقول لا تزر وازرة وزر أخرى لكن فقط يجب الإستغفار لأن بعض ما يحدث في الجنازات يحتاج لتوبة وإنابة وإلى تجديد إيمان فمنهم من يكفر بالله في تلك الحالات والعياذ بالله. ولا يصح أن نقول أن الميت يتألم ببكاء الآخرين فما ذنب رجل صالح توفى إن كان في جنازته من أساء التصرف.
سؤال: ما رأيكم فيمن يشتري كفنه ويزمزمه (أي يبلله بماء زمزم)؟
هذا لا أساس ولا أصل له ويجد خلاف بين الفقهاء فيه. واليقين في الموت حقيقي وهو المفروض لكن الباقي لا أصل له ولن يقدم أو يؤخر.
سؤال: هل يعتبر الميت إكلينيكياً متوفّى؟
طالما أنه موجود في المستشفى فهو حيّ وهذه الأجهزة التي يعيش عليها هذا المريض هل تعيد الحياة لمن مات؟ بالطبع كلا إذن فهو حيّ مهما طالت مدة مكوثه في المستشفى على الإجهزة.
سؤال: هل السحر حقيقة أم لا؟
سنتناول في حلقات قادمة السحر في مفهومه في القرآن والسنة. إذا اعتقد مخلوق أن الساحر يستطيع أن يفعل كذا وكذا خارج أمر الله فقد كفر (من اعتقد في السحر إلى هذا الحد فقد كفر). فالقول هناك سحر لكن هل السحر يستطيع أن يمنعني من أن أتزوج مثلاً أو يجعلني أطلق زوجتي فمن اعتقد هكذا يكفر بالله والساحر غالباً هو أتعب خلق الله فلو أنه قادر عليّ فلماذا لا يصلح نفسه ويقدر عليها وينفع نفسه. (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) والساحر لا يتعامل إلا مع المغفلين وطالما هناك مغفلين فالنصابين بخير. وسؤال هل إذا وقع السحر أفكه بسحر هذا يحتاج إلى شرح لكن علينا أن نجعل عقيدتنا في الله توجد آيات للرقية والذي يجري الآن كذب وضلال وبهتان.
سؤال: هل قبل خلق آدم كان إسم الرسول r مكتوباً على كرسي العرش؟ هذا الكلام ليس له أصل لا في القرآن ولا في السنة.
سؤال: متى خلقت الملائكة؟ لها توصيف في القرآن أنها مخلوقة قبل آدم.
سؤال: ما هو عالم الذر؟ قال تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم) أخذ الذرية وأشهدهم على أنفسهم بوحدانية الله تعالى قبل أن يوجد الإنسان على الأرض أعلن التوحيد لله تعالى كما ورد في الحلقة السابقة.
سؤال: كيف نفرّق بين اتباع الشيطان واتباع النفس الإمارة بالسوء؟
إذا كانت الوسوسة تصر على المعصية بعينها فهي من النفس وإذا اختلفت تكون من الشيطان (اسرق، اقتل، لا تصلي،..)
سؤال: هل الإنسان مسيّر أو مخيّر؟
الإنسان مسيّر في أمور ومخيّر في أمور العبادة والعقيدة بدليل الآيات (لا إكراه في الدين) و (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/3/2004م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty18/2/2010, 3:01 pm

الحلقة الخامسة
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الموت والروح والنفس والوفاة وكنه الموت والخلق من بدء خلق السموات والأرض وخلق آدم وتحدثنا عن آيات الموت والغيبيات الخمسة ومسألة الإدراك بأنواعها الأربعة وآلية خروج الروح من الجسد البشري. ونريد أن نستعيد بعض ما ذكرناه في اللقاء السابق عن الغيبيات الخمسة التي استأثر الله تعالى بعلمها ولا يستطيع مخلوق أن يصل إلى معرفة كنهها كما جاءت في ختام سورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34}) وقد قال تعالى في مطلع سورة البقرة (الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {5}) وفي هذه الآيات يوصّف الله تعالى أحوال المتقين وأول حال من أحوالهم أنهم يؤمنون بالغيب فهو إذن ركن ركين عند كل مسلم من آدم إلى أن تقوم الساعة والحقيقة أن ترتيب الآيات في كتاب الله ترتيب معجز فسورة البقرة التي هي أول سورة بعد الفاتحة في الترتيب كانت هي الآية 87 في التنزيل وهي أول سورة مدنية وترتيبها فبعد الفاتحة هو قمة الإعجاز من الله تعالى. وقوله تعالى (هدى للمتقين) فكأن الذي يؤمن بالغيب يأخذ صفة المتقين التي هي أعلى من صفة الإسلام والإيمان بالله رب العالمين. ويجب أن نعرف حقيقة معنى الإسلام والإيمان في القرآن فلو سألنا إنساناً عادياً أيهما أعلى الإسلام أو الإيمان لقال بالفطرة السليمة أن الإيمان أعلى ولكن في الحقيقة أن الإسلام قد يكون أعلى من الإيمان. كيف ذلك؟ هناك فرق بين إسلام العقيدة وإسلام الوجه لله تعالى وعندما ندقق في آيات القرآن نجد في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) هنا مطلوب الإسلام بعد الإيمان. ونأخذ الموضوع على وجه التقريب ليتضح المعنى فنقول: إسلام الرسالة أو العقيدة يأتي أولاً ثم الإيمان بالتطبيق ثم التقوى ثم الإحسان ثم الإسلام لوجه الله وهذا ما جاء في الآية السابقة التي هي نداء من الله تعالى للمؤمنين فلا يصح في هذه الآية أن نقول أن الإيمان أعلى من الإسلام لأنه يوجد إسلام أعلى من الإيمان وهو إسلام الوجه لله رب العالمين أما إسلام العقيدة فهو أقل من الإيمان.
والإحسان هو مرحلة أعلى من التقوى ونأخذ مثالاً على ذلك ما جاء في توصيف المحسنين في القرآن الكرم في قوله تعالى (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) فالإحسان إذن له مواصفات خاصة أعلى من التقوى. وعندما نأخذ الآية في سورة البقرة (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) نقول أن الغيب كثير لكن الله تعالى يصف خمساً منها فقط في آية سورة *لقمان. ولا يمكن لأحد من المخلوقات أن يطّلع على كنه هذه الغيبيات الخمسة او يصل إلى حقيقتها. (والإشارة إلى علم الساعة موضوع طويل سنتحدث عنه إن شاء الله في نهاية حلقات الموت) لكن يكفينا الآن أن نتذكر حديث رسول الله r عندما سأله رجل يا رسول الله متى الساعة؟ فماذا كان جواب الرسول r؟ قال له ماذا أعددت لها؟ ولم يجبه أنها في يوم كذا في ساعة كذا وهو الإجابة المتوقعة على سؤال السائل وهذا ليعلمنا رسول الله r أن المهم في موضوع الساعة أن نكون مستعدين لها لأنه لا فائدة من معرفة موعدها فهذا لن يغير شيئاً تماماً كالطلاب في المدرسة أو الجامعة منذ بداية السنة الدراسية وهم يعرفون موعد الإختبارات النهائية ومع ذلك ترى الكثيرين منهم من لا يستعد لها وعندما يحين موعدها يطلب التأجيل أما المجتهد فهو يستعد لها منذ البداية وهكذا علينا نحن البشر أن نعمل لها ونكون مستعدين لها في أي وقت جاءت. ولنعلم أن لكل إنسان قيامتان وساعتان وأجلان إحدهما عندما يحين أجله ويموت والآخر عندما ينفخ في الصور ساعة القايمة للجميع. فساعة الموت هي قيامة بحد ذاتها ولذلك كان الرسول r يتعوّذ من موت الفجاءة.
سؤال: ويسأل المقدّم عن دلالة الغيب في قوله تعالى (وينزّل الغيث). والجواب أنه تعالى قال الغيث ولم يقل المطر أو الطلّ او الودق مع أنه ورد في القرآن وذلك لأنه عند الغيبية يذكر الغيث فهو أول الرزق (وبنزّل لكم من السماء رزقا) والرزق بشكل عام غيب بالنسبة للإنسان وما تكسب غداً هو الغيث فالمطر أو الغيث هو الذي يسوق الرزق وعندما نستعرض في القرآن آية المطر (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} الروم) نجد في حياتنا أن المطر ينزل على الأرض فتكون في منطقة جافة وتنتقل إلى منطقة مجاورة نزل فيها المطر بكثافة وهذا كله غيب لا يعلمه إلا الله تعالى فالرزق إذن غير معلوم بالنسبة لبني آدم.
وننتقل إلى قوله تعالى (ويعلم ما في الأرحام) وقلنا أن الآية جاءت ب(ما) ولم يقل (من) وكما اشرنا في الحلقة السابقة أن الأطباء بإجهزتهم الحديثة يمكن أن يعرفوا من في بطن المرأة لكنهم لا يعلمون ما في بطنها وهل هذا المولود شقي أم سعيد ولا كم أجله وغيره من الأمور الغبية المتعلقة بهذا المولود لا يعلمها إلا الله تعالى. فما المقصود بشقي أو سعيد؟ في الدنيا إذا رأى الناس فقيراً يقولون عنه شقي لكنه قد يكون أسعد المخلوقات فكلمة شقي وسعيد لها مفهوم عند الله تعالى غير ما يفهمه البشر والمعيار هو أن يكون شقياً أو سعيداً في الآخرة فإما أن يكون في الجنة فيكون سعيداً وإن بدا شقياً في الدنيا وإما أن يكون في النار فيكون شقياً وإن بدا سعيداً في الدنيا وكل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هيّن. وفي الآخرة كما ورد في الحديث أغلبية أهل الجنة من الفقراء. وقد عُبّر عن الآرة في القرآن بالحيوان (إن الدار الآخرة لهي الحيوان) رمزاً للإستمرارية وهي تدل على الحياة الحقيقية التي ليس بعدها موت فهي إما جنة أبداً وإما نار أبداً، أما الحياة الدنيا فهي التي يأتي بعدها موت وقد يكون شقاء الإنسان في الدنيا وصبره على ذلك هو سعادته الأبدية في الآخرة.
وقوله تعالى (وما تدري نفس بأي أرض تموت) طالما لا أعلم المكان فلا أعلم الزمان أيضاً وهذه من الغيبيات التي لم يطلع الله تعالى عليها أحداً من خلقه ولا حتى أنبياؤه ورسله ولا الرسول r. وحتى قبل وفاة الرسول عرف الصحابة من ألفاظ رسول الله أنه خُيّر بين الدنيا وما عند الله ففهمها أبو بكر فقال قرُب أجل رسول الله r وكان من الممكن أن يعيش الرسول r بعدها سنوات عديدة لك يكن أحد ليعلم كما جاء في قوله تعالى منذ نزل القرآن على الرسول r منذ 1425 عاماً قوله تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر) ولا يعلم أحد موعدها.
سؤال: ويسأل المقدّم في موضوع الرزق فيقول يقول الناس أن الله تعالى عدل في عباده وقد يكون لكل واحد منا نسبة مختلفة من النعم لكن مجموعها يكون مساوياً لكل البشر فكيف إذن نقول عن الطفل الذي يموت في بطن أمه أنه استوفى أجله ورزقه؟ وهل يُبعث يوم القايمة على هيئته البشرية أم على صورة ملك؟
الموله عزّ وجلّ هو الذي عمل الأجل لكل المخلوقات ونحن لا نعلم أجل هذا المخلوق ولكن حكمة الله تعالى تقتضي أن يكون أجله هكذا وهذا ما قدّره الله تعالى وقد يكون هذا الطفل إختباراً وابتلاء لوالديه ليرى تعالى إن كانوا سيصبروا أم لا. ونقول أن هذا الطفل قد استوفى أجله الذي كتبه الله تعالى له وهذا الأجل لا يُقدم أو يُؤخر أبداً كما قال تعالى (ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده) وهذه قضية محسومة.
ومن الخطأ أن نفهم أن الرزق يعنب المال فقط فكلمة المال تعني كل ما لك من صحة وسعي وعمل وعلم وغيرها ومن الرزق مثلاً أن تعمل أو لا تعمل فالصحة رزق والعلم رزق والأموال رزق والذكاء رزق والله تعالى جعل فروقاً بين البشر من حيث العطايا لكن مجموع العطايا كلها بالنسبة لكل شخص متساوي فقد يكون لأحدنا نسبة 80 في المئة في الصحة ولغيره 60 في المئة ثم يكون النسب معكوسة في الأموال مثلاً بحيث تتساوى مجوع العطايا. ومن الممكن أن يكون الإنسان صحيحاً في جسده لكنه لا يوفق في العمل أو في الذكاء أو السعادة أو الرضى أو الصبر وكل هذا رزق.
ويستطرد المقدّم فيسأل إذا كان الرزق كما تقول فكيف نفسر التفريق في قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)؟
قلنا أن المال تعني ما لك من رزق وصحة وتُخصص للنقود وعندما يقول تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا فهذه حقيقة ولمّا تدبّر ابراهيم u الحياة الدنيا والآخرة قال (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) فهل الرجل الذي لا يُنجب استغنى عن زينة الدنيا ويمكن له أن يصل إلى سعادة الآخرة بما عنده كما قال ابراهيم ِu، وهذه الزينة التي وردت في الآية ي زينة مؤقتة متعلقة بحياة منتهية وكم ممن كان له زينة في الدنيا من أموال وأولاد يأتي يوم القيامة ولم ينفعه شيء من هذه الزينة فما ينفع هو من أتى الله بقلب سليم. وطالما وردت كلمة زينة فهي تجر للتفاخر ثم الإبتلاء وقد يكون المال ابتلاء لصاحبه وسر شقائه وكذلك البنون قد يكونون سر الشقاء وهذه قضية يجب أن ينظر إليها الإنسان على أنها ابتلاء من الله تعالى فإما أن تكون نعمة وإما أن تكون نقمة.
نعود للسؤال هل يشفع الطفل الذي مات في بطن أمه لوالديه؟ إن صبر الوالدان يشفع لهما ونستدل بحديثين أحدهما حيث قبض صفيّ العبد (إذا قبض الله صفيّ العبد وصبر فلا جزاء له إلا الجنة) وقد يموت الإنسان كمداً على صفيّ له مات وهو صابر وقد ورد في قصة يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام أن يعقوب ابيضت عيناه من الحزن فأصبح كظيماً وكثير يفسرون هذه الآية أن يعقوب ابيضت عيناه من كثرة البكاء على يوسف لكن الحقيقة أن عيناه ابيضت من كتم حزنه. ونقول أقفل باب الحزن بمفتاح الرضى والصبر وكن راضياً. والحديث الآخر حديث قدسي يسأل تعالى ملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ يقولون نعم يا رب، قبضتم ثمرة فؤاده فيقولوا نعم يا رب، فيقول ماذا قال عبدي؟ يقولون حمدكَ واسترجع (أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون) فيقول تعالى ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة سمّوه بيت الحمد. فهذ الشخص إذن بحمده لله تعالى صار الحمد عنواناً للسعادة يوم القيامة. وعلينا أن نركّب على هذا المعنى عندما نتكلم عن الموت ولا ننكر أن هيبة الموت فوق كل عقل ولكن علينا كمسلمين أن نرضى بما قسمه الله تعالى لنا في الدنيا وأن نصبر على ما يأتيهم من أحداث والله تعالى يجزي على ذلك خير الجزاء. وعل سبيل المثال من صبر على فقد إحى عينيه أو كلتاهما فلا جزاء له إلا الجنة. وهناك امتحانات وابتلاءات تحتاج منا لتوقف فكيف أكون مسلماً وأجزع؟
(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ {75} وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ {76}) فهل في هذه الآية قسم أم لا؟
قال تعالى في سورة الواقعة (فلا أقسم بمواقع النجوم) . فلا أقسم: الفاء هي للتفريع أي لتفرّع ما قبلها. ولا أقسم هو قسم منفي بيقين. لا أقسم قد توحي أنها نفي للقسم لكن جاءت في الآية التالية قوله تعالى (وإنه لقسم لوتعلمون عظيم) فهل هو قسم أم لا؟ قد يبدو الأمر متناقضاً للبعض ولكن علينا أن نعلم أن لغة القرآن تختلف عن لغتنا العامية واللغة المكتوبة فالقرآن له لغة عربية خاصة منه أُخذت قواعد الصرف والنحو وعلينا أن ندقق في لغتنا ونأخذها من اللغة الفصحى وليس العامية. وعندما نقرأ القرآن نجد الآية (أفلا يتدبرون القرآن) وحتى أتدبر القرآن يجب أن أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) ولن يفهم أحدٌ القرآن إلا إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم.
وقد وردت آيات القسم في القرآن على هذا النحو المنفي (لا أقسم بمواقع النجوم) وقوله تعالى في سورة البلد (لا أقسم بهذا البلد) وقسم واضح (والشمس وضحاها) (والسماء والطارق) وغيرها. ود قال البعض أن القسم المنفي يدل على نفي القسم فنقول لهؤلاء فلماذا جاء قوله تعالى بعدها (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)؟ والواقع أن القم المنفي هو أقوى من القسم غير المنفي. ولله تعالى أن يُقسم بما شاء كيف شاء أنّى شاء ولنا نحن البشر أن نقسم بالله فقط.
وحتى نعلم قيمة القسم المنفي لا بد أن نُقرّ أنه قسم وهذا بنصّ القرآن (إنه لقسم لوتعلمون عظيم) لأن القسم المنفي ما جاء في القرآن إلا لأمر يشهد عليه الناس فلم يكن محتاجاً لقسم أصلاً. فالله تعالى يُقسم على أشياء ما كانت تحتاج لقسم لولا إنكار المنكرين وجحود الجاحدين ونحن نستعمل هذا النوع من القسم في حياتنا اليومية كأن نقول لأحد ما (ليس لك علي يمين أن هذا الأمر حصل مثلاً). ونأخذ مثالاً قوله تعالى في سورة البلد (لا أقسم بهذا البلد ) إلى قوله (لقد خلقنا الإنسان في كبد) والإنسان هو أكثر من يشهد أنه خُلق في كبد ولك يكن يحتاج أصلاً إلى قسم ولكن بما أننا نحتاج لقسم جاء القسم منفياً. وكذلك في آية سورة الواقعة (فلا أقسم بمواقع النجوم) إلى قوله (إنه لقرآن كريم) والقرآن لا يحتاج إلى قسم والكل يشهد أن هذا القرآن كريم حتى اعداء الإسلام يحاولون الدخول في تشويه القرآن وتضعيفه ثم بعد ذلك يحتجّون به عند مناقشتهم ويرجعون إليه ليستشهدوا بآياته.
الفرق بين القرآن والكتاب
والمُقسم عليه في هذه الآية (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) وهذا دليل تعظيم القرآن. وهنا علينا أن نتوقف عند الفرق بين القرآن والكتاب. فالقرآن هو كا نزل منجّماً على رسول الله r أي آيات القرآن ولا يطلق لفظ القرآن إلا على ما نزل متفرقاً أي الآيات. أما الكتاب فلا تطلق إلا على المصحف (إذا انتهى القرآن وأصبح كتاباً). ونستعرض الآيات في سورة البقرة (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) وفي نفس السورة جاءت الآية (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس) وقد وردت كلمة الكتاب مرة والقرآن مرة أخرى ووردت كلمة (هدى) في المرتين. كلمة هدى في آية الصيام جاءت للناس (هدى لمن؟ للناس) لأنه ما زال القرآن يُنزّل ولم يرفضه الناس أما هدى في الآية الأولى من سورة البقرة فجاءت للمتقين (هدى لمن؟ للمتقين) وهنا تدل على أنه أصبح كتاباً واكتمل ولا يكون هدى إلا للمتقين الذين يريدون التقوى من المسلمين وليس لكل الناس وهذه الآية تبيّن الفرق الذي استغرق بحوثاً طويلة وكثيرة حول قوله تعالى (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) فالكتاب هو يضم ويحوي القرآن لأن القرآن نزل مفرّقاً. ونسأل هنا هل نزل الكتاب مرة واحدة؟ كلا وكلمة أنزلناه في آية سورة القدر (إنا أنزلناه في ليلة القدر) تعني أنزلناه كله فما هي حقيقة التنزيل؟ قال تعالى (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) قهما إذن تنزيلان الأول من الله تعالى إلى السماء الدنيا وهذا إنزال للكتاب، والثاني تنزيل للقرآن متفرقاً على الرسول r. إذن الكتاب نزل مجملاً بالترتيب الذي بين أيدينا اليوم والذي نعرفه إلى السماء الدنيا ثم نزل منه القرآن آيات متفرقات على الرسول r. وهناك فرق بين ترتيب القرآن بالنزول وترتيب الكتاب ونسأل من الذي جمع الكتاب؟ والجواب هو الله تعالى بنصّ القرآن الكريم بدليل قوله تعالى عندما كان الرسول r يتعجل ليحفظه عندما ينزل به جبريل (لا تحرّك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه) فالله تعالى هو الذي جمعه ساعة شاء أن يكون لهذه الأمة كتاب والخطأ الشائع بين المسلمين أن عثمان وأبو بكر هما الذين جمعا القرآن مقولة خطأ فهما لم يجمعا القرآن وإنما كتبوه فجاء موافقاً للجمع الذي جمعه تعالى للكتاب لأنه لا يمكن لبشر أن يجمع القرآن.
فالكتاب إذن هو ما حواه اللوح المحفوظ بإجماع علماء علوم القرآن أن الكتاب الذي أنزله تعالى إلى السماء الدنيا ساعة شاء أن يكون لهذه الأمة كتاب هو كتاب بالترتيب الذي معنا في المصحف ومنه نزل القرآن متفرقاً على رسول الله r لذا جاءت الآية (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون). والكتاب المكنون هو ما يقابل اللوح المحفوظ وهناك خطأ شائع آخر في فهم قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهّرون) لأن المفسرين فسروا الآية على أنه لا يجوز لغير المتوضئ أن يمس القرآن وهذا مفهوم خطأ لأنه لو علمنا معنى كلمة المطهّرون لعرفنا أن المقصودين في هذه الآية هم الملائكة الحفظة الذين كانوا في حراسة جبريل وكلمة مطهّرون هي اسم مفعول ولهذا تختلف عن كلمة متطهرون التي هي إسم فاعل فالبشر عندما يتوضأ أو يزيل عنه النجاسة فقد أصبح متطهراً وليس مطهّراً لأن الملائكة هم مطهّرون بفعل الله تعالى فالآية لا تشهد لنا وإنما للملائكة ولو كان المقصود البشر لقال تعالى لا يمسّه إلا المتطهرون.
واللوح المحفوظ هو ما كتب الله تعالى فيه كل شيء ساعة خلق القلم وقال له اكتب في الذكر كل شيء قبل خلق السموات والأرض (إرجع إلى الحلقة السابقة وحديث أهل اليمن).
كنه الوفاة قبل الموت: نعود للآيات التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة والتي تتكلم عن الموت في القرآن الكريم وهي آية سورة ق (وجاءت سكرة الموت بالحق) وقوله تعالى في سورة الواقعة (فلولا إذا بلغت الحلقوم) وهذه الآيات تشرح آلية الموت وكيف يحدث ويتحدث المولى تعالى بإعجاز للبشر عن قضية خروج الروح من الجسد وهذا لأنه قال في آية أخرى وقضى في كتابه (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم) وجاء ذكر الروح في قوله تعالى (ونفخت فيه من روحي) وقلنا أن هذه الروح المنسوبة إلى الله تعالى هي قوام الحياة. والآية في سورة الواقعة (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ {83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ {84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ {85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ {86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {87}) أريد أن أوجهها للكافرين وأطرح السؤال هل يستطيع أحد أن يُرجع الروح إلى البدن بعد أن تخرج منه؟ بالطبع لا وقلنا أن هذه الروح التي دخلت الجسد آخراً تخرج منه أولاً عند الموت (يمكن العودة للحلقة السابقة للتفصيل) وقلنا أن آلية الحياة هي عكس آلية الموت والموت نقيض الحياة والحق تبارك وتعالى يقول لنا (فلولا إذا بلغت الحلقوم) أو (حتى إذا بلغت التراقي) وهاتان الآيتان يجب أن نقف عندهما بيقين لنقف عند إعجاز الله تعالى في البشر فيا من كفرتم بالخالق الأعظم هذا هو التحدي مفتوح أمامكم إلى قيام الساعة فانظروا إلى أنفسكم وأنتم تجتمعون حول من حضرته الوفاة وجاءه الموت وهذا قمة التحدي أن يرجعوا روح الميت إلى بدنه ليس بعد خروجها من الجسد كله وإنما يرجعونها وهي ما زالت في الحلقوم أو التراقي وعند هذا الموقف العظيم يجب أن تكون ساعة وفاة أحد منا ساعة عودة وتوبة لمن كفر بالله تعالى فالآية فيها تعليق ثم إعجاز. ويقول تعالى أنه طالما وصلنا لهذه اللحظة فكأنها درجة من درجات توفّي النفس وقلنا أن كل موت وفاة وليست كل وفاة موتاً لآنه توجد وفاة تتعلق بالنوم وما دام تكلمنا عن الوفاة فيجب أن نتكلم عن كنه الوفاة قبل الموت لأن الله تعالى يوصّفها بطريقة بديعة لنفسه وذاته ولملك الموت وللملائكة القائمين بقبض الروح وخروجها. وفي آيات يوم القيامة أراد تعالى أن يشرح لنا هذا على أعلى مستوى (حتّى إذا بلغت التراقي وقيل من راق) وقلنا أن (من راق) تحتمل معنيين أولهما أن يكون القائل هم أهل الميت يسألون هل من يرقي هذا المحتضر ويشفيه أو أن القائل هو ملك الموت يقول من يرقى بهذه الروح لأن الملائكة تختصم عند خروج الروح الخبيثة من يرقى بها من نتن رائحتها (وبناء الفعل لمن لم يُسمّى فاعله يفيد التوسع في المعنى ويحتمل المعنيين)، أما النفس الطيبة فالملائكة تتسارع من يرقى بها إلى السماء وهذا جاء بنصّ القرآن الكريم في قوله تعالى (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) زنسأل ما دلالة سائق وشهيد؟ نقول قد يكونا من الملائكة أو من أعضاء الجسد التي تشهد على الإنسان أو عمله ولو تدبرنا هذه الآية حق التدبر لما جلس أحد منا عن الصلاة أو الصيام أو الزكاة وسيجد كل إنسان أن لا شيء ينفعه مهما كانت درجة إسلامه إلا عمله وساعة تنفرد في القبر لا يبقى إلا عملك وعندما تسمع قوله تعالى (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ {21} لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ {22} ق)
يا من بدنياه انشغل وغرّه طول الأجل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
ونعود لقوله تعالى (وظنّ أنه الفراق) وقلنا أن مراحل الإدراك أربعة هي العلم والظن والشك والوهم (انظر الحلقة السابقة) وقلنا أن العلم هو إدراك اليقين وهو مختص بالله تعالى ولا يمكن لبشر أن يصل إلى درجة العلم، أما الظن فهو إدراك الطرف الراجح وهي أقرب نسبة للعلم يمكن أن يصل لها الإنسان ولآنه في حضرة علاّم الغيوب لا يصح لبشر أن يقول علمت (إني ظننت إني ملاق حسابيه) والأمر الآخر أنه يجب على المؤمن أن يعمل للآخرة من بداية الظن ولا ينتظر حتى يصل للعلم لأنه لن يصل إليه (وظنّ أنه الفراق) بمعنى علِم لكن هذه هي أقرب نسبة علم يمكن للبشر الوصول إليها والدليل من القرآن قوله تعالى (قال رب ارجعون لعلّي أعمل صالحاً) قالها بعدما تأكد أنه الفراق.
موضوع توفّي النفس: هناك فرق بين الموت والوفاة والموت هو وفاة لكن الوفاة قد لا تكون موتاً وحتى نفهم كلمة الوفاة أثبت الله تعالى التوفّي لذاته ولملك الموت والملائكة في ثلاث مراحل ولا تنافض بين الآيات. فالنسبة للوفاة توجد وفاة بمعنى الموت ووفاة بمعنى انفصال الروح من الجسد مؤقتاً بالنوم فالأولى عنوان والباقي مراحل بمعنى (الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) فهناك مرحلتي توفّي النفس بالنسبة لله تعالى فهو إما يتوفاها وهي نائمة وإما يتوفاها بعد الموت، وقد عُبّر عن الروح هنا بالنفس ولم يقل الروح لأن الآية يدخل فيها النوم أي فيها انفصال مؤقت ، وحين موتها بعد انتهاء التوفّي من ملك الموت والملائكة. وقوله تعالى (فيمسك التي قضى عليها الموت) هذه وفاة بعد الموت أي انفصال دائم وقوله تعالى (ويرسل الأخرى) هذه وفاة عند النوم وهي انفصال مؤقت.
وقوله تعالى في الآية (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم في النهار) تؤكد هذا المفهوم لأنها تشير إلى الوفاة البعيدة عن الموت والتي هي خروج الروح مؤقتاً في النوم بدليل قواه (ويعلم ما جرحتم في النهار) الذي قبل النوم. وفي النوم يحصل أحد أمرين إما يمسك التي قضى عليها الموت أو يرسل الأخرى.
ثم يثبتها لملك الموت كما في قوله تعالى (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكّل بكم) وهذه تشير إلى قبض الروح عن طريق ملك الموت والتوفّي يكون بفعل الله تعالى.
ثم يثبته للملائكة في قوله تعالى (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا وهم لا يفرطون) وهذه تشير إلى خروج الروح عن طريق الملائكة التي تنزع الأرواح.
وإذا قلبنا هذه الأحداث حصلنا على كنه الوفاة ومراحلها فعندما دخلت الروح الجسد صار فيه حياة فكيف تخرج الروح من الجسد؟ أولاً إذا نام الإنسان للموت أو مات فجأة تخرج روحه من بدنه بفعل الملائكة ثم بفعل ملك الموت ثم يتوفاها الله تعالى. والوفاة سابقة على الموت وهي مراحل خروج الروح وعندما تخرج الروح نهائياً نسميها موتاً وإذا خرجت مؤقتاً نسميها نوماً أو وفاة. والله تعالى يتوفّى في حالة خروج الروح نهائياً (الله يتوفّى الأنفس حين موتها) ولم يقل عنها روح لأنه قد يعقب هذه الوفاة موت وقد يعقبها استيقاظ بعد النوم. والروح هي قوام الحياة التي في البدن وبدونها لا يكون حياة وبخروجها يُسمّى الجسد ميتاً بتسكين الياء. وسميت كلها وفاة لأن الوفاة سابقة على الموت وكل كلمة تُطلق على ملك الموت والملائكة تُسمة وفاة وفي حالة الموت تأتي الآيات (الله يتوفّى الأنفس)، وساعة خروج الروح من الجسد يصبح جثة هامدة هذا الخروج يسمى الموت لكن خروج الروح عند النوم يسمى وفاة فالموضوع كله وفاة وفيها وفاة يعقبها موت أو وفاة يعقبها استيقاظ وهي النوم.
إذا حدث الأجل المسمى تبقى الحياة مستمرة لكن ساعة يتحقق فيه يأتي الموت فتأتي الملائكة تنزع الروح ثم يقبضها ملك الموت ثم يتوفّاها الله تعالى حتى تصبح موتاً.
الفرق بين النائم والميت: وهل يقبض ملك الموت روح النائم؟ ما ذُكرت الوفاة بحق ملك الموت والملائكة إلا بالموت أما الوفاة فلم تُذكر إلا مع الله تعالى. (يتوفاكم ملك الموت) (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا) تدل على الوفاة التي يعقبها موت أما قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس) فتدل على الوفاة التي يعقبها استيقاظ (ويرسل الأخرى) وعلى الوفاة التي يعقبها موت (فيمسك التي قضى عليها الموت) وهنا خروج نهائي لا رجوع بعده. فتوفّي الملك يعقبه توفي من الله تعالى.
الكلام هذا يتعلق بإعجاز الله تعالى في آية واحدة هي آية سورة الواقعة (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين) وقوله تعالى (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون) ونسأل عن دلالة كلمة حينئذ؟ نحن ننظر في كل الأوقات لكن هذا الوقت يختص بإعجاز وهذه الآية تشترك مع آية ثانية هي قوله تعالى في سورة ق (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وفي الواقعة قال تعالى (ونحن أقرب إليه منكم) فما هو حبل الوريد؟ هذا من باب عطف العام على الخاص كأنه يقول تعالى ونحن أقرب إليه من حبل هو الوريد وهذا هو العرق الذي في جانب العنق والذي إذا قُطِع لا بد من الموت. فما الفرق بين الموت والقتل؟ الموت هو خروج الروح من الجسد بعد انقضاء أجلها فيه أما القتل فهو هدم الجسد الذي هو وعاء الروح فلا يعود صالحاً لاستيعاب الروح فتخرج منه وأقرب شيء إلى القتل هو قطع الوريد فإذا قُطِع لا بد أن تحصل وفاة ولا بد أن تخرج الروح كما في الشنق أو الخنق. فالله تعالى أقرب إلينا من الروح التي بين جنبينا وإن كانت الروح هي قوام حيلتنا وهو أقرب إلينا من روحنا يكون هو بالتالي المنحكم في الروح فهل حدث أن استطاع مخلوق أن يمنع الموت عن نفسه أو عن غيره؟ (ترجعونها إن كنتم صادقين).
وعندما يشفى المريض لا يظنن أن الطبيب قد شفاه وإنما هو سبب من أسباب الشفاء وأسباب بقاء الحياة التي أرادها الله تعالى بقدره وإذا لم نحضر الطبيب للمريض فيكون هذا من قدر الله أيضاً. والطبيب ليس السبب وإنما هو من الأسباب فإن كان في عمر المريض بقية يكتب الله تعالى له الشفاء. وهكذا يجب أن نفهم الآية (ترجعونها إن كنتم صادقين) ويعقب هذه الآية فأما وأما وأما (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ {88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ {89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ {92}) وفي آية سورة ق (حتى إذا بلغت التراقي وقيل من راق) يعقبها (فلا صدّق ولا صلّى) وهذا موضوع حلقتنا القادمة إن شاء الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/3/2004م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty18/2/2010, 3:02 pm

الحلقة السادسة
الموت وآيات الموت في القرآن الكريم
نبدأ بالسؤال الذي وردنا من كثير من المشاهدين وهو: هل يُحكم على إسلام الإنسان المحتضر من القرار الذي يأخذه إذا خُيّر بين أن يُقبض أو أن يبقى على قيد الحياة؟
السؤال مهم بالنسبة لكراهية الناس للموت وحُب لقاء الله أو كره لقاء الله، فلو أن أحداً يحتضر ولو افترضنا أنه يمكن أن نخيره فهل إجابته تنم عن إسلامه؟ نقول نعم لأنه ليس بمعنى إني كاره للموت أني كافر بالله أو بالموت لكن قد يكون العمل غير صالح لذا يخاف الإنسان من الموت ومن لقاء الله على هذه الحال. وقد سأل الرسول r أحد الصحابة وهو يحتضر كيف تجدك؟ قال أخاف لقاء الله ولكن أرجو أن يغفر لي فقال له الرسول r دُم على هذا فإنك بين الخوف والرجاء. والخوف لا يعني كما قلنا أني كاره لقاء الله لكن يجب أن أكون بين دفتي الخوف والرجاء لأن الموت آت لا محالة سواء كرهته أم أحببته فيجب أن يكون العبد المسلم المسلّم لله واثق من هذا. والقرآن يشرح هذه النقطة في مسألة تمني الموت لغير المسلم فقد قال تعالى في سورة الجمعة (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {7} قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}) فهناك من هو غير مسلم ويدّعي أنه في الجنة فإن كان صادقاً تمنّى الموت فيقول تعالى له (ولن يتمنونه أبداً) وقس على هذا كل من هم على شاكلته حتى من بعض المسلمين أنفسهم من يقول قلبي طاهر ولكنه لا يصلي ولا يصوم فنقول له تمنى الموت إن كنت صادقاً فيأتي التعقيب والتقرير من الله تعالى (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وهم لا يتمنونه ويرفضونه وحسب بل إنهم يفرون منه أيضاً (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {8}) فالمسألة فعل وعمل ويقين . ومستحيل على غير المسلم أن يتمنى الموت وقد اختلف أهل العلم في تمني المسلم للموت حتى الذي يعمل صالحاً لا يتمناه وذلك لأنه يرد أن يستزيد من عمله الصالح ومن الفلاح فالإنسان إن كان محسناً لا يتمنى الموت لعلّ الله تعالى يزيد في إحسانه وإن كان مسيئاً لا يتمنى الموت لعلّ الله أن يمدّ في عمره ويعطيه فسحة من الوقت ليعود إلى الله ويتوب إليه. وهناك آداب وواجبات على الإنسان المحتضر وعلى الذين يحضرون الوفاة سوف نتطرق إليها إن شاء الله في نهاية حلقات الموت ونتحدث عنها بإسهاب. فمن واجب المحتضر أن يُكثر من ذكر الله تعالى ويتوب ويتذرع بالصبر وعلينا أن نذكر أن الإحتضار إنما هو فسحة من الوقت وفرصة لكسب الحسنات لأن الله تعالى كما ورد في الحديث الشريف يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي (حتى إذا بلغت الحلقوم) أو (إذا بلغت التراقي). ومثال على ذلك أن فرعون لمّا أسلم لم يقبل الله تعالى إسلامه لأنه أسلم في وقت لا ينفعه ذلك لأنه من دواعي الإسلام الصحيح أن يُؤيّد بالإيمان الصحيح وهو العمل لكن فرعون أسلم عندما أدركه الغرق وحتى أنه لم ينطق بالشهادة وإنما قال (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91} سورة يونس) لم يقل آمنت بالله ولكنه قال ما جاء في الآية وكأنه منافق في إسلامه هذا ويريد أن يُرضي بني إسرائيل لعلهم ينقذونه لمن الله تعالى وهو أعلم بما في نفس فرعون رد عليه في قوله تعالى (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {91}) لأن الإسلام له حقيقة والإيمان حقيقة، وقد لقي الرسول r أرجلاً فسأله كيف أصبحت؟ قال أصبحت مؤمناً حقاً فسأله الرسول r ما حقيقة إيمانك؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فتساوى عندي ذهبها ومدرها فقل له الرسول r عرفت فالزم.
واختيار المحتضر يعتمد على عمله في الدنيا والمسلم لا يكون خائفاً من لقاء الله لأن الموت والقبر أول منازل الآخرة فإن خُيّر المسلم المحتضر وجاز له هذا فمن تسليمه يجب أن يقول على مراد الله تعالى لأنه لو رجعنا إلى قصة موسى وآدم في الحاقات السابقة لتبيّن لنا أن الإنسان وإن كان مسلماً لا بد أن يخشى ويهاب الموت لكن عليه أن يكون مستعداً لهذا اليوم وهو الأجل المسمّى للإنسان.
ويسأل المقدّم المسلم يحب لقاء الله فهل نرى الله تعالى في الآخرة؟ والجواب أنه توجد أحاديث كثيرة عن الرسول r (من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) ولو نظرنا إلى الموضوع بيقين فالتمني وعدم التمني ليس اختيارياً ولا يحسم قضية فاللقاء محتوم لن يفرّ منه أي من المخلوقات فطالما العقل يحسم القضية فالمسألة أن نخرج من تمني وعدم تمني إلى حب لقاء الله وعجبت لمن يناقش عندما شرحت هذا الحديث وقلت أنه علينا أن نجعل حب الله تدريب للنفس كيف؟ في الصلاة نجعلها صلة بالله تعالى ومناجاة ونوقّعها في الصلاة بتدريب النفس عند السجود وعند ذكر أدعية الرسول r* ومناجاة الله تعالى، وقد قال الإمام مالك: إذا أردت أن أناجي ربي دخلت في الصلاة وإذا أردت أن يناجيني ربي قرأت القرآن. فهو على حالتين إما يتلقى عن ربه بافعل ولا تفعل وإما يناجي ربه بالصلاة والدعاء وكأنه يدرّب نفسه على لقاء الله تعالى. ولقاء الله تعالى في الآخرة حساب مصداقاً للحديث (اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب بلا عمل) فلندرّب أنفسنا على لقاء الله من الآن بحب الصلاة والصيام وحسن الخلق وفي المعاملات مع خلق الله وفي الخشوع في الصلاة وغيرها من العبادات.
ثم سؤال هل نرى الله في الآخرة؟ سُئل الرسول r فقال هل تُضارون من رؤيتكم للشمس والقمر؟ قالوا لا قال هكذا سترون الله رب العالمين وفي قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) يؤكد هذا الأمر بنصّ القرآن. وفي حادثة المعراج لما سُئل الرسول وفي حادثة المعراج لما سُئل الرسول إن كان رأى ربه فقال نور أنّى أراه، ولنعلم أن الله تعالى ليس كمثله شيء فلا نتخيل كيف نراه.
يسأل المقدم عن مظاهر الخلق الأربعة التي تحدث عنها الدكتور في حلقة سابقة وهي خلق آدم وخلق حواء وخلق عيسى وخلق باقي الخلق ونريد أن نعرف كيفية موتهم؟ الجواب أنه وإن كانت طرق الخلق مختلفة في الحالات الأربعة لكن الموت واحد لأن الموت هو نقض الحياة ولا فرق بين موت أي منهم والآخر إلا في حالة عيسى u لأنه لم يمت ولكن توفّاه الله تعالى ورفعه إليه (إني متوفيك ورافعك إليّ) لكنه عند الموت سيموت مثل باقي الخلق وقد ذكرنا سابقاً أن الموت حتمي على كل الخلائق حتى ملك الموت سيموت والموت نفسه سيُذبح على الصراط ليفهم الخلق أن الموت مترتب على كل مخلوقات الله تعالى.
نعود لإستكمال الحديث عن آيات الموت في سورة الواقعة التي بدأنا بها الحلقة الماضية (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ {88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ {89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ {91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ {92}) نأحذ ملمح هذه الآيات وماذا نفهم من قوله تعالى (ترجعونها إن كنتم صادقين) ثم يخبرنا تعالى عن أحوال ثلاثة في المتوفّي وبعد أن أثبت لهم تعالى عجزهم وبعد التحدي لا يكون إلا الموت الذي سيقسم الناس بعده إلى ثلاثة أحوال وكذلك في سورة القيامة (كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق * فلا صدّق ولا صلّى * ولكن كذّب وتولى) كلها تدل على أنه المتوفي لن ينفعه ساعة موته إلا عمله صلّى أو لم يصلّي تصدّق أو لم يتصدّق. وهذه الآيات تحتاج لوقفة مع النفس وإلى أن نحمد الله تعالى أن أبقانا على قيد الحياة حتى نفطن أنه بمدّ الأجل يستوجب الحمد أولاً والحمد ثانياً ثم التوبة والإنابة إلى الله تعالى حتى يتوقّع فيها (فأما وأما ) فنقترب من اثنين ونبتعد عن الثالثة ونعمل عكس (فلا صدّق ولا صلّى).
والناس بعد الموت أحد أصناف ثلاث فهم إما أن يكونوا من المقرّبين أي السابقين الذين كلنوا يفعلون كل ما أمرهم الله تعالى به ورسوله فهؤلاء جزاؤهم (روح وريحان وجنة نعيم) وهذه الجملة تشعرنا بأنهم مرحلتين (روح وريحان) ساعة الموت وفي القبر و(جنة نعيم) في الآخرة لأن الميت إذا كان من المقربين يأتيه قبل أن يأتيه مكفّن الدنيا يأتيه مكفّن من الجنة بحنوط من الجنة وكفن من الجنة وديباج من الجنة وكأن القبر فعلاً أول منازل الآخرة فكأننا بالله تعالى يوقّع لنا مُراده في هذه الآية(فروح وريحان وجنة نعيم) حتى نتّبع ما جاء فيها فنحن نريد أن نكون من هؤلاء المقربين وكم سمعنا عن حالات أخبر عنها الناس أنهم عند دفن الميت شمّوا رائحة المسك فنقول في مثل هذه الحالات نحسبه كذلك ولا نزكّيه على الله وهذا فضل من الله تعالى. والغريب في هذه الآيات أنه تعالى لمّا ذكر المقربين والمكذبين الضالين ذكر التفصيل أما لما ذكر أصحاب اليمين لم يذكر أي تفصيل وإنما قال تعالى (فسلام لك من أصحاب اليمين) ويترك لنا أن نبحث عما يكون عليه أصحاب اليمين كما في قوله تعالى (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) ولا يمكن أن نصل إلى توصيفهم ففي الجنة كما قال الرسول r ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي الكلام عن المقربين أعطانل تعالى الأوصاف حتى إذا كنا من أصحاب اليمين نحاول أن نصل إلى نعيم المقربين وهذا في القرآن يعطي الألفاظ التي تدعو للعمل لنصل إلى نعيم كما جاء في قوله تعالى (ففروا إلى الله) (وسارعوا إلو مغفرة من ربكم) (فاستبقوا الخيرات) (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) ولهذا فالدرجات في الآخرة متفاوتة وتحتاج إلى سرعة وتسابق. وفي حديث للرسول r أن سبعون ألف من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب فقال عكاشة إسأل الله أن أكون منهم فقال الرسول r أنتم منهم يا عكاشة فقام واحد من الصحابة فقال وأنا يا رسول الله فقال الرسول r أنه لم يعد هناك مكان. فعلينا إذن أن نرتقي لمرتبة السابقين (ثلو من الأولين وقليل من الآخرين) والسابقين هم المتقدمين في القرب من الرسول r والآخِرين هم المتأخرون في الخلق ونحن منهم فالصحابة أولاً ثم التابعين ثم المتأخرين. ونعيم المقربين وأصحاب اليمين يجعلنا ننهض ونبعد عن المكذبين الضالين لأنه كما جاء في توصيف النعيم للمقربين (فروح وريحان وجنة نعيم) جاء التوصيف للمكذبين الضالين (فنزل من حميم وتصلية جحيم) ونزل من حميم مقابلة لروح وريحان وهي في الموت والقبر وتصلية جحيم وي في الآخرة مقابلة لجنة نعيم.
ما هو حق اليقين الذي ورد ذكره في آيات سورة الواقعة (إن هذا لهو حق اليقين) ؟
هذه الآية تذكرنا بمرحلتين في الدنيا تحدث عنهما القرآن في سورة التكاثر (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}) فهناك علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين (ثم لتألن يومئذ عن النعيم). وقد ضرب لنا العلماء مثلاً فقالوا لو كان هناك إناء فيه عسل والرسول r أخبر الناس أن ف الإناء عسل بدون أن يكون ظاهراً لهم الإناء فنصف الحاضرين سيقولون صدقنا ما قاله الرسول r (وقد سُمي أبو بكر بالصديق لأنه كان يصدق الرسول r بما يقول طالما أنه قاله كما حدث عندما أخبره كفار قريش عما يقوله الرسول r في الإسراء والمعراج فقال إن كان قالها فقد صدق) فهؤلاء الذين صدقوا بمجرد إخبار الرسول r لهم علموا علم اليقين، ثم إن قسماً من الحاضرين قالوا نريد أن نرى العسل في الإناء فهؤلاء صدقوا عين اليقين والباقي قالوا لن نصدق إلا إذا ذقنا العسل فهؤلاء علمهم حق اليقين.
وعلم اليقين هو أقل درجات الإدراك وأعلى درجات الإيمان (يؤمنون بالغيب)
وعين اليقين هي مرحلة وسط صاحبها يحب أن ينضم إلى أصحاي علم اليقين حتى لا يكون من أصحاب حق اليقين.
أما حق اليقين فهو أعلى درجات الإدراك وأقلّ درجات الإيمان وصاحبها في النار فقد كذّب وكذّب حتى صار من المكذبين الضالين لا يصدقون بالنار إلا إذا أصبح فيها فيقول كان محمد على حق وعندها لا ينفع التصديق ولا الندم.
لمّا نقابل التوصيفات مع التوقيعات نصل إلى حقيقة مراد الله تعالى وأعلى الدرجات (لترون الجحيم) أن نؤمن بها دون أن نراها. وقد روي أن حنظلة أحد صحابة رسول الله r قابل أبا بكر فقال له نفق حنظلة قال الصديق لماذا؟ قال نكون عند رسول الله نسمعه يتكلم فنرى الجنة رأي العين ونرى النار رأي العين وإذا خرجنا من عنده عاسفنا الأولاد وذهبنا إلى الأسواق، فقال أبو بكر وأنا كذلك فذهبوا إلى الرسول r فأخبروه فقال لهم الرسول r لو أنكم تداومون على ما أنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي الطرقات لكنها ساعة وساعة، ساعة وساعة ساعة وساعة.والمقصود بها ساعة للعمل وساعة للعبادة لا كما فهمها الناس فيقولون ساعة لقلبك وساعة لربك! فالرسول r يدعونا للعمل ولا يريدنا أن نقعد في المسجد 24 ساعة بل يكون وقتنا ساعة للسعي على الرزق وساعة للعبادة وقد ذمّ رسول الله r الرجل الذي كان ينام في المسجد ولا يبارحه عندما سأل الصحابة من يصرف عليه قالوا أخاه فقال الرسول r أخاه أفضل منه في رواية وفي رواية أخرى قالوا كلنا فقال كلكم أفضل منه.
فأما إن كان من المقربين الذين آمنوا بمجرد علم اليقين فروح وريحان وجنة نعيم. أما المكذبين الضالين الذين لم يصدقوا فكان لهم حق اليقين وهو دخول النار والعياذ بالله. فهنيئاً لمن آمن بعلم اليقين وعلينا أن نتدارك أنفسنا إذا كنا في عين اليقين حتى نلحق بأصحاب علم اليقين ولا نكون من أصحاب حق اليقين.
من هم المقربين والسابقين وأصحاب اليمين؟
في الحقيقة الترتيب في الدنيا: علم - عين - حق أما في الآخرة ستكون حق - عين - علم وهذا هو الفرق بين التوصيف والتوقيع والقرآن ذكر ثلاث صنوف. فالمقربين والسبقين كأنهم أعلى درجة من أصحاب اليمين (فأما من أوتي كتابه بيمينه) (وأما من أوتي كتابه بشماله) كأنه نادم على ما قدّم في الدنيا. والدرات لا تنتهي ففي الجنة درجات كثيرة لا تخطر على بال والبون شاسع بين أهل الصنف الواحد فالكل يُجمع أن الصحابة الذين عاصروا الرسول r أنهم من السابقين أو المقربين نحسبهم كذلك، وفي حديث للرسول r في سنده كلام ولكن نورده لنوضح الفرق في الدرجات بين أهل الصنف الواحد، يقول الحديث: أول من يتناول كتابه من أمتي بيمينه عمر بن الخطاب فقال الحاضرون وأبو بكر؟ فيقول الرسول r هيهات هيهات هيهات، عندما يكون عمر يتناول كتابه يكون أبو بكر قد زُفّ إلى الجنة على رأس سبعين ألف من الأمة في الجنة بغير حساب. فإن كان هذا الفرق بين عمر وأبو بكر وهما من صحابة رسول الله r المبشّران بالجنة فما نقول نحن؟ (هيهات تعني بَعُد الفرق بين الإثنين). وحتى لا ينثير جدلاً حول (بغير حساب) نقول أنها لا تعني بغير حساب ولكن يقلّ حسابهم ونحن نسوق الأحاديث لنثبت أن البون شاسع بين أهل الصنف الواحد وكل إنسان يقوم بعمله في الدنيا سيجده فب الآخرة إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشرّ ومن عدالة الله تعالى أن الإنسان يحكم على نفسه بنفسه فتشهد أعماله وجوارحه وكتابه بكل عمله مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقه منشوراً * إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا).
وورد في الحديث الشريف : "لن يدخل أحدكم الجنة إلا وهو يعلم أنها أولى به من النار ولن يدخل أحدكم النار إلا وهو يعلم أنها أولى به من الجنة" فالذي يدخل الجنة يدخلها وهو واثق أن هذا هو الحق وحتى لو لم يكن يعلم أنها أولى به سيقول إنها كذلك لكن كيف يكون في النار ويعلم أنها أولى به من الجنة؟ هذا يعلمه من كتابه (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ولذلك صدق تعالى في قوله (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه) لأنه يوم القيامة لن يقرأ إلا حقاً وما في كتابه من أعماله التي عمل بها في الدنيا، فإن كان هذا الكتاب جاء نتيجة أعماله الصالحة في الدنيا أخذه بيمينه (إني ظننت أني ملاق حسابيه) . فهلاّ سارعنا للصلوات وحبونا للضف الأول في المساجد ووقفنا بين يدي الله تعالى بخضوع وصمنا صياماً صحيحاً وحججنا حجاً مبروراً وهلاّ قدمنا من النوافل ما تُجبر به الفروض وإلا ندمنا حيث لا ينفع الندم كما قال ابراهيم u (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). ويجب علينا أن نعلم أن بين المقربين وأصحاب اليمين فرق شاسع حتى بين المقربين والسابقين وبين كل فئة وفئة درجات وفروقات كبيرة فليس كل المقربين مثل بعض كما في حديث عمر وأبو بكر، ومن الفروقات بينهما أن أبا بكر ورد ذكره في القرآن (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصابه لا تحزن إن الله معنا) وقد كتب الله تعالى لأبي بكر أن يكون صاحب الرسول r في هجرته إلى المدينة وليس عمر أو غيره من الصحابة، وكذلك ورد ذكر أبي بكر في القرآن في خواتيم سورة الليل (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لآحد عنده من نعمة تُجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) وهذا من باب الدرجات. حتى بالنسبة للصلاة فكل المسلمون يصلون لكن ليست صلاة واحدة من ناحية الأجر فالإتقان وكثرة الخشوع وكثرة العمل وسرعة الإسراع (سارعوا) كلها تزيد الدرجات. وعلينا كمسلمين أن نتواصى فيما بيننا كما جاء في سورة العصر (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فلماذا لا نوقظ بعضنا لأداء صلاة الفجر لكن ترانا نوقظ بعضنا عند السفر أو للذهاب في رحلة أو أي عمل دنيوي آخر؟ وغاب عن بالنا أن الله تعالى كتب الأجر الحسن لمن بدأ يومه بصلاة الصبح. وعلينا أن نعلم أن عاقبة غير المسلم (فلا صدّق ولا صلّى) فلماذا خصّ الصلاة بالذكر دون سائر العبادات؟ لأن أول يقين في العمل هو التصديق بكتاب الله (الصلاة) والفرق بين الرجل والكفر ترك الصلاة كما جاء في الحديث. لم يختر الله تعالى بعد عدم التصديق إلا الصلاة وقال بعدها (ولكن كذّب وتولى) فمن تولى عن الصلاة وأعرض عنها تولّى عن الخير كله وأعرض عن الإسلام فالمسلم الذي لا يقيم الصلاة توصيفه (ولكن كذّب وتولى). وطالما أننا نعلم أن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر علينا أن نعمل صالحاً ونستعد للموت في أية لحظة.
ثم جاء قوله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى). أولى من ولِيَ مع أفعل التفضيل بمعنى قرُب وأولى هي أفعل ولِيَ بمعنى زيادة الدعاء والثبور . فإن كنت قربت من النار فسيكون الدعاء عليك أن تقرب أكثر وتتحول الآية إلى دعاء على الكافر بالهلاك بمعنى هلاكاً يُبعدك، ثم يكرر (أولى لك فأولى) وهذا عكس ما جاء في الحديث القدسي (إذا تقرب عبدي مني شبراً تقربت منه ذراعا) وقد تكرر الدعاء مرتين حتى يتبين أن الجزاء من جنس العمل وكما أن الله تعالى يتقرب من العبد أكثر مما يتقرب العبد منه كذلك يبتعد عن الكافر أمثر مما ابتعد الكافر عنه. (فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذب وتولى) هذه نتيجة ونتيجة النتيجة (أولى لك فأولى) أي قرباً لك من النار بأهمالك وهذا زيادة في الدعاء والثبور والهلاك وتدل على استحقاقه لهذا العذاب.
وطالما أننا علمنا أن الروح لا يمكن أن تعود إلى البدن بعد أن وصلت الحلقوم أو بلغت التراقي ففي هذه اللحظة التي تفارق الروح فيها الجسد وتتحول يا ابن آدم من إنسان بقوام حياة الروح وقد شرّف الله تعالى آدم بأربعة تشريفات كما ذكرنا في الحلقات السابقة (خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وشرع له التوبة) فعليك يا ابن آدم أن تسعى في الخير وأن تهاجر إلى الله ورسوله هجرة زمانية أو مكتنية لأن كل هذا سيظهر في لحظات خروج الروح لتصبح جثة هامدة لن يبقى لك بعدها إلا عملك في الدنيا.
ويسأل المقدم عن دلالة الآية (والتفت الساق بالساق* إلى ربك يومئذ المساق) وهل إلتفاف الساق بالساق تدل على الكافر الذي يصيبه الهلع أم هي للمسلم والمؤمن؟
(والتفت الساق بالساق) هو من نوع المجاز وهي تدل على شدة الكرب والهول بالنسبة للكافر. والخلاف القائم بين المفسرين حول من المقصود بهذه الآية لا وجود له لأن الآية تقول (فلا صدّق ولا صلّى) ومنها نستدل على أن الكلام للكافر. وقد قال بعض المفسرين في هذه الآية أنها تدل على آخر ساعة في الدنيا تلتف مع أول ساعة في الآخرة وهذا أيضاً لا صحة له لأنه كما تقدم الآية بعدها فسرتها (فلا صدق ولا صلى) فالذي يشتد عليه الكرب هو بالتأكيد الكافر والتشكير عن الساق يدل عادة على الشدة والكرب أو على شيء مهم. وقلنا سابقاً أن لحظة خروج الروح (حتى إذا بلغت التراقي) لا تخيف إلا غير المسلم وغير المؤمن.
يسأل المقدم عن حديثين للرسول r الأول: "صحابتي كنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) والثاني مفاده أن أجر الواحد من المتأخرين كأجر ستين من صحابته. فما صحة هذه الأحاديث؟
في نفس الباب أحاديث صحيحة منها "سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" وحديث "من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" والقضية الأساسية من هذه الأحاديث أننا نريد أن نتأسّى بالرسول r وكثيراً ما نجد عجباً في وقت الحج ونرى ونسمع الفتاوى ومن الناس من يُحدث في الحج أموراً ما أنزل الله بها من سلطان وكل تابع لمذهبه لكن عند الإختلاف نعود فنحتكم لما جاء في القرآن (ولله على الناس حج البيت) (ولأتموا الحج والعمرة لله) والسنة (الحج فرض) فلماذا إذن نختلف وكل يقول قال ابن تيمية وقال الإمام مالك والشافعي ولا نقول قال رسول الله r ونتأسى به ونعمل بقوله (خذوا عني مناسككم) وقوله r (صلّوا كما رأيتموني أُصلي) لكن للأسف أخذ الناس يسعون للرخص حتى أصبحت الرخصة هي الأساس والأساس هو الرخصة. والرخصة هي تخفيف لأصحاب الأعذار فهل أصبحنا جميعاً من أهل الأعذار؟ وهذه دعوة للإقتداء برسول الله r.
"كان رسول الله r يمشي بين القبور مع أصجابه فقال: اشتقت لأحبابي فقالوا أولسنا أحبابك يا رسول اله قال أنتم أصحابي قالوا من أحبابك؟ قال قوم يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني" هذه درجة أعلى فكأن رؤية رسول الله r ومصاحبته هي التي دفعت الصحابة إلى الإيمان به لذلك على كل المسلمين أن ينتبهوا إلى نقطة هامة وهي: هل أسلمنا بإرادتنا؟ او لأننا خلقنا من أبوين مسلمين؟ وهناك فرق بين من أسلم على عهد رسول الله r بعد أن شاهده وسمع عنه وبين من أسلم عن اقتناع، ولذا على كل أبوين بمجرد أن يصبح أبناؤهم في سن البلوغ أن يعلموهم أمور الدين ويطلبوا منهم أن ينطقوا بالشهادتين ويعلمونهم كل أمور الدين وعن التقوى والإيمان والإحسان والعدل وحسن الخلق والمعاملة ونعلمهم أن خير من نقتدي به هو رسول الله r لأنه هو القدوة كما قال تعالى في كتابه العزيز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ولا بأس إن اقتدى أحدنا بعد الرسول بشيخه أو بإمام من أئمة الأمة وإنما الأصل أن أقتدي برسول الله r.
يسأل المقدم سؤالاً تكرر على البرنامج وهو ما دلالة قوله تعالى (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)؟
هذه تحتاج إلى وقفة. وهذا الكلام جاء على لسان البشر وهذا اعتراف بما قرره الله تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) التي جاءت في سورة البقرة قبل آية خلق آدم واستخلافه في الأرض وقلنا سابقاً قبل أن جعل الله تعالى آدم خليفة في الأرض قرر هذه الكلام وهو يعني أن الناس كانوا أمواتاً في عالم الذر فأحياهم الله تعالى بالخلق ثم يميتهم الميتة العادية ثم يحييهم ثانية بالبعث يوم القيامة، فكأن المرحلة السابقة للخلق كانت موتاً على أني أريد أن أقف عند ملمح الروح في القرآن. وقلنا أن اقرآن سُمي روحاً (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) وكأنها بما يحييكم، وقلنا أن القرآن سمي روحاً لأنه يعمل حياة جديدية للمسلم وكأن المسلم القارئ للقرآن له حياتان حياة بقوام الحياة وحياة بالقرآن أي المنهج الذي هو دستور ومنهج حياة كامل. فلو أن الله تعالى قال لنا صلّوا وحجوا ولم يبيّن لنا الرسول r كيف فكيف نصلي ونحج؟ إذن هذا معنى (دعاكم لما يحييكم). وكذلك قلنا أن القرآن سمي روحاً بدلالة قوله تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) أي القرآن وقد سمي الوحي كله روحاً والقرآن وحده روحاً وبه يحيا الإنسان في الحقيقة حياة المسلم القارئ للقرآن المتّبع له كمنهج حياة تختلف حياته عن المسلم الذي لا يقرأ القرآن ولا يتّبع منهجه ولرُب قارئ للقرآن القرآن يلعنه لأنه لا يطبقه ولا يعمل به. وأصعب موقف يوم القيامة أن يأتي المسلم والقرآن يلعنه (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ولا يجب أن يكون عمل المسلم يخالف قوله. ويجب على المسلم أن يكون إماماً لغيره وبعمله يكون قدوة ونبراساً لغيره من المسلمين وكم سمعنا عن أناس أسلموا والتزموا بعدما رأوا عمل مسلم آخر وتأثروا بنهجه، وكم سمعنا في قصص الفتوحات الإسلامية عن أقوام دخلوا في الإسلام بعدما أعجبوا بأخلاق المسلمين الفاتحين.
وختمت الحلقة بدعاء من الدكتور هداية للمسلمين جميعاً.
بُثت الحلقة بتاريخ 28/3/2004م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فوزي الجمل
قوصادي نشيط
avatar


عدد المساهمات : 191
تاريخ التسجيل : 31/08/2009
العمر : 62

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty22/2/2010, 1:02 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ،
بيان أنّ أول مخلوقات الله الماء
روى ابن حبان من حديث أبي هريرة قال : قلت يارسول الله إنّي إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كلّ شيء، قال : { كلّ شيء خُلِقَ من الماء}.
وروى السُدّي في تفسيره بأسانيد متعددة : { إنّ الله لم يخلق شيئًا مما خلق قبل الماء }.
وأمّا حديث أولية القلم فهي أولية نسبية أي بالنسبة لمابعده ، وأنه من أول المخلوقات .
فقد قال الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني رضي الله عنه في الجواب عن ذلك ما نصه :
( فيُجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش ، أو بالنسبة إلى ما صدر من الكتابة ، أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق ، وأما حديث " أول ما خلق الله العقل " فليس له طريق ثبت وعلى تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تاويله والله أعلم )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرش
مدير المنتدى
مدير المنتدى
القرش


عدد المساهمات : 11377
تاريخ التسجيل : 21/03/2009
العمر : 34

حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية   حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية Empty22/2/2010, 1:13 pm

بارك الله فيك وأحسن الله إليك

مرور مبارك وإن شا الله ربي يزيدنا من علمك ونصائحك الطيبة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حلقات الدكتور محمد هداية في طريق الهداية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حلقات برامج الدكتور ابراهيم الفقى(الطريق الي النجاح)
» الخمور والشباب ... الدكتور محمد العريفي
» حلقات احداث النهايه محمد حسان ( ارجو التثبيت )
» حلقات شاهد على العصر مع وليد محمد الحاج الملتحق بطالبان
» اسئلوا الله الهداية كل حين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قوصاد :: المنتديات الإسلامية :: قوصاد المواضيع الدينية-
انتقل الى:  
عداد الزوار
زوار المنتدى منذ يوم الجمعة 17-12-2010

free counters
" جميع المواضيع والردود فى المنتدى لاتعبر عن رأي الإدارة بل تعبر عن رأى كاتبها فقط "