بسم الله الرحمن الرحيم
:قال الإمام العلامة ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه
قال الله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون}، وفي هذه الآية فوائد:
الفائدة الأولى: قوله تعالى: {إذا مسهم طائف} ولم يقل: إذا أمسكهم، أو أخذهم؟ لأن المس ملامسة من غير تمكن، فأفادت هذه العبارة، أن طيف الهوى لا يتمكن من قلوبهم، بل يماسها مماسة، ولا يتمكن منها إمساكا ولا أخذا كما يصنع بالكافرين. فإذا استيقظوا انبعثت من قلوبهم جيوش الاستغفار والذلة والافتقار إلى الله تعالى، فاسترجعوا من الشيطان ما اختلسه، وأخذوا منه ما افترسه.
الفائدة الثانية: في هذه الآية ونظائرها توسعة على المتقين، ولطف بالمؤمنين، لأنه لو قال: إن الذين اتقوا لا يمسهم طائف من الشيطان، لخرج من ذلك كل أحد إلا أهل العصمة، فأراد سبحانه وتعالى، أن يوسع دوائر رحمته فقال: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف} ليعلمك أن ورود الطيف عليهم، لا يخرجهم عن ثبوت حكم التقوى لهم، وجريان اسمه عليهم، إذا كانوا كما وصفهم مسرعين بالتذكر راجعين إلى الله بالتبصر.
الفائدة الثالثة: تبين مراتب المتذكرين من المتقين. اعلم أن أهل التقوى، إذا مسهم طيف من الشيطان، لا تدعهم تقواهم للإصرار على معصية مولاهم، بل يرجعهم إليه تذكرهم، وتذكرهم على أقسام:
متذكر يتذكر الثواب.
ومتذكر يتذكر العقاب.
ومتذكر يتذكر الوقوف للحساب.
ومتذكر يتذكر ما في ترك المعصية من جزيل الثواب.
ومتذكر يتذكر سابق الإحسان فيستحي من وجود العصيان.
ومتذكر يتذكر لواحق الامتنان فيستحي أن يقابل ذلك بالكفران.
ومتذكر يتذكر قرب الله تعالى منه.
ومتذكر يتذكر إحاطة الحق سبحانه.
ومتذكر يتذكر نظر الحقّ إليه.
ومتذكر يتذكر معاهدة الله له.
ومتذكر يتذكر فناء لذّته وبقاء مطالبته.
ومتذكر يتذكر وبال المخالفة وذلهّا، فيكون لها تاركا.
ومتذكر يتذكر فوائد الموافقة وعزّها فيكون لها سالكا.
ومتذكر يتذكر قيّومية الحقّ به.
ومتذكر يتذكر عظمة الحقّ وسلطانه.
إلى غير ذلك من تعلقات التذكر، وهي: لا حصر لها، وإنما ذكرنا منها ما ذكرنا تأنيسا بأحوال المتقين، وتنبيها على بعض مقامات المتبصرين، فافهم.
***************************************
من كتاب "التنوير في إسقاط التدبير" للإمام ابن عطاء الله السكندري (توفي 709 هـ)