الموت مرحلةٌ يمرُّ بها الإنسان، ومنزلة يَرِدُها، وحقيقة لا يتخطَّاها، وكأس يتجرَّعها، ومنهلاً يسقى منه، وللموت حكم كثيرة؛ منها:
1- في الموت يتجلَّى كمال قدرة الله الخالصة سبحانه وعظيم حكمته في تصريف أطوار الخلق؛ فهو الذي أنشأ هذا الإنسان من عدم، ثم أوجده طورًا بعد طور، وخلقًا بعد خلق؛ حتى صار بشرًا سويًّا يسمع ويبصر ويعقل، ويتكلم ويتحرك، ويسالم ويخاصم، ويتزاوج ويتناسل، ويعيش على أرض الله، وينال من رزق الله، ثم بعد ذلك كله يُمِيته الله تعالى فلا يأكل ولا يشرب، ولا يسمع ولا يبصر، ولا يعقل ولا يتحرَّك، فيزول بعد بقاء، ويفنَى بعد وجود، وكل ذلك بتصريف الله وقدرته، وبالغ حكمته في خلق الأمور المختلفة والأحوال المتضادة، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الواقعة: 86، 87].
تضمَّنت الآيتان تقريرًا وتوبيخًا، واستدلالاً على أصول الإيمان، من وجود الخالق سبحانه وتعالى وكمال قدرته، ونفوذ مشيئته وربوبيته، وتصرُّفه في أرواح عباده؛ حيث لا يَقدِرُون على التصرف فيها بشيء، وأن أرواحهم بيده يذهب بها إذا شاء، ويردُّها إليهم إذا شاء، ويخلِّي أبدانهم منها تارة، ويجمع بينها وبينهم تارة”.
2- أن الله خلق الموت والحياة ابتلاءً لعباده واختبارًا لهم؛ ليعلم مَن يطيعه ممَّن يعصيه، قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2].
3- بالموت تصلُ النفس إلى اليقين، وتتعرَّف على حقيقتها؛ من حيث إنها مخلوقة للخالق سبحانه وأنها مخلوقة لغاية.
4- لم يخلقِ اللهُ البشرَ في الدنيا على خِلْقة قابلة للدوام، بل جعلهم خلائف في الأرض، يخلف بعضهم بعضًا، فلو أبقاهم لفاتت المصلحة والحكمة في جعلهم خلائف.
5- في الموت نِعَم عظيمة لا تتأتَّى للناس إلا به، فلولا الموت لما هنأ لهم العيش، ولا طاب في هذه الأرض، ولا وَسِعتْهم الأرزاق، ولضاقت عليهم المساكن والمدن، والأسواق والطرقات.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]