يروي الكاتب الكبير "عباس محمود العقاد" أن مستشرقا عاب أمامه على النبي كثرة زوجاته فقال: أن تسع زوجات دليل على فرط الميول الجنسية.. فأجابه العقاد إذا كنت لا تصف السيد المسيح بأنه قاصر جنسيا ؛؛ لأنه لم يتزوج قط.. فلا ينبغي لك قط أن تصف محمدا بأنه مفرط الميول الجنسية؛؛ لأنه عدد الزوجات.
الحقيقة أن لكل زواج تزوجه النبي عليه الصلاة والسلام بعد أم المؤمنين خديجة حكمة وهدفا.. وقبل أن نذكر هذه ا لحكم تعالوا بنا لنغوص في حياته بشكل عام.. فنقول: هل هذا الرجل الذي تزوج من خديجة وهي سن الأربعين.. وقد تزوجت قبله مرتين ولها ولدان وهو لا يزال أع**ا في ريعان الشباب.. في الخامسة والعشرين من عمره .. ثم نذر نفسه إلى هذه الزوجة التي أحبها من كل قلبه مدة حياتها كلها.. أي قريبا من ستة وعشرين سنة ولم يعدد ولم يضم إليها زوجة أخرى.. وظل بعد وفاتها وفيا لها.. وهي تحت الثرى يحن إلى ذكراها ولا يسمح بأحب الناس إليه أن يذكرها بما لا يليق بها.. هل رجل كهذا مزواج يبحث عن متعته وشهوته.. هل في عيشة الكفاف التي كان يعيشها فيمر عليه وعلى أهله الهلال والهلال والهلال وهو يعيش على التمر والماء.. لا توقد في بيته نار ما يدل على انغماسه في ملذات الدنيا ومتعها.. علينا أن نتأمل تلك العيشة المتواضعة التي اختارها بإرادته.
لاحظوا يا أخوتي اختارها بإرادته الزوج والرسول محمد بن عبد الله ونتذكر الخيارين الذين نزل بهما جبريل من السماء قائلا له: أن الله يخيرك أن تكون "عبدا رسول" أو "ملكا رسولا".. فاختار أن يكون عبدا رسولا.. ولنتذكر أن موارد ا لنبي من أموال الفيئ والغنائم كانت كبيرة جدا.. ومع ذلك كان يوزعها على فقراء المسلمين ومحتاجيهم ومصالحهم العامة لا يبقي لنفسه وزوجاته إلا ما يقيم الأود.. و يرفع الضرر .. حتى نتج عن تصرفه هذا ضيق نساءه بشظف العيش الذي يواجههن في مسيرتهن معه عليه الصلاة والسلام.. فاعترضن ورحن يطالبنه بزيادة النفقة وهن يعلمن أنه لو أراد أن يأخذ حصته التي أباحها الله له من الغنائم والفيء لأغدق عليهن النعم.. ولأغرقهن في الحرير والذهب وأطايب الملذات ولما مانعه أحد من المسلمين في ذلك.. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب أن يتمتع بهذا المال هو نساؤه بينما يلاقي صحابته الفقر والضنك والمشقة.. فكان جوابه على شكوى نسائه جوابا حازما لا لين فيه ولا تسامح.. أتذكرون جوابه إخوتي المشاهدين.. لقد اعتزلهن شهرا إلى أن نزلت آية التخيير التي فيها يقول الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)}.. ودخل النبي صلى الله عليه وسلم إثر ذلك على زوجاته وتلى عليهن هذه الآية.. وخيرهن بين الله ورسوله وبين الدنيا.
بدأ بزوجته المحببة إلى قلبه عائشة فقال لها: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك .. قالت: ما هو يا رسول الله؟ فتلى عليها الآية آية التخيير فأجابت بلهجة المحب العاتب: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي،، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة.
ثم خير عليه الصلاة والسلام نسائه كلهن فأجبن كما أجابت السيدة عائشة.. وقنعن بعد تلك الحادثة قنعن بمعيشة ربما كانت كثيرات من زوجات المسلمين آنذاك يعشن أنعم منها فهل هذا الرجل الذي كان يستطيع أن يعيش كما يعيش الملوك.. فيختار عيشة الفقراء هل هو رجل هل هذا الرجل الذي تألبت عليه نساؤه لضيق العيش وقلة النفقة.. هل هو رجل غلبته لذات الهوى؟ ومتعة الشهوة؟ عندما نتأمل في كل هذا إخوتي المشاهدين ندرك كم هي ضعيفة وواهية هذه الشبهات التي يثيرها هؤلاء المستشرقون حول نبي الإسلام.
فاصل.
.................................................. ............................................
أتذكر هنا مناقشة جرت بيني وبين أحد المغرضين المشككين في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم.. قال لي ذلك الشخص وهو يغمز ويهمز و يلمز: أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" تؤكد ما أخذ المستشرقين على استسلام النبي للملذات..
أجبته بزهو وفخار أن هذا الحديث دليل على عظمة النبي.. وعلى عظمة الدين الذي جاء به وليس دليلا على انغماسه واستغراقه في الملذات.. ففي حب النبي صلى الله عليه وسلم للنساء إشارة واضحة إلى أن الدين الذي جاء به يتماشى مع فطرة الإنسان التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها.. وهذه الفطرة التي لا يمكن للكون بدونها أن يعمر وأن يستمر إنه الحب السامي المنضبط بحدود الحلال تحت مظلة الزواج.. ليس ذلك الحب مع الإباحية والفوضى الجنسية والعاطفية التي يعيش الغربيون في ظلالها.. ويعيشون متفلتين من كل ضابط وقيد.. شتان بين هذا وبين ذاك.. إنه حب لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتداله.. ولم يشغله عن مهامه.. لم يكلفه شططا في ابتغائه حب النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته.. سوف يبقى إلى قيام الساعة إرشادا ودعوة لكل زوج أن يتأسى به في حب الزوجة والتقرب إلى الزوجة والتحبب إليها.. وعندما نتأمل منجزاته العظيمة والكثيرة لنبي الإسلام نقول بعجب وإكبار: لقد استطاع محمد عليه الصلاة والسلام بعون ربه أن يخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم.. وأن ينشر دعوته في جزيرة العرب وخارجها.. وهو يضم إليه كل تلك الزوجات فمن ذا الذي يقول بعد هذا أن هذا رجل مشغول ومنغمس في الملذات.. من الذي يستطيع أن يقول بعد هذا أن حب النساء بهذا المفهوم أمر يندرج تحت معايب الرجال.. أن أول زواج تزوجه النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة هو زواج الفطرة .. أما زواجه بعد ذلك فيمكن أن نسميه بزواج الحكمة.. في كل زواج تزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها بعدها له حكمة وله هدف.
أول حكمة هامة: تتكرر في معظم زيجاته التقرب من أكبر قدر ممكن منبطون قريش وقبائلها عن طريق المصاهرة.. الأمر الذي كان له أثر كبير في انتزاع العداوة وزرع المحبة وأواصر القرب مع عوائل العرب.. هذا بشكل عام.. أما الحكم الخاصة لكل زواج فقد ذكرناها في وقتها عندما تحدثنا عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.. ومع هذا نعود لنجمل الحديث عنهم كنوع من التذكير وتثبيت المعلومات..