دعـوة للـحـوار و نـبـذ الخـلا ف
بقلم : الشـيخ/ حـمادى محمد بوزيد يسأل السائل فيقول: نرى اختلافا في حكم بعض المسائل الفقهية، والتي كثر حولها النقاش هذه الأيام، فهذا يرى الفرضية والآخر الكراهة، هذا يراها سنة والآخر بدعة....وهكذا، فلماذا هذا التباين والاختلاف بين الأئمة والعلماء في أحكام الدين؟
بداية يجب أن نعلم أن الاختلاف إنما هو في الفروع لا في الأصول.
لقد اختلف العلماء والأئمة الكرام، لأن مصدر الدين قد شرعه الله تعالى في نصوص،
وهذه النصوص لابد أن يختلف الناس في فهمها ، والاستنباط منها،وهذا أمر طبيعي،
لأن العلماء لهم مناهجهم التي وضعوها لفهم النصوص واستقراءها، فمنهم الحرفي الذي يأخذ بظاهر النص ويجمد عليه، ومنهم من يتعامل مع روح النص ومفهومه،
ومنهم من يجمع بين الأمرين، منهم من يرد النصوص إذا تعارضت،،،وهكذا.
وهذا الأمر قد حدث زمن النبي عندما أمر أصحابه بالصلاة في بنى قريضة،
فمنهم من أخذ بظاهر النص فأخر الصلاة حتى وصل المكان، ومنهم من فهم من قول الرسول سرعة التجهز والاستعداد فصلى في مكانه،
من أسباب الاختلاف أيضا ، أن الناس فيهم المتشدد، وفيهم المترخص،وهذه طبيعة البشر.
من الأسباب أيضا،مدلولات الأ لفا ظ،فهناك من يأخذ بظاهر اللفظ، ومنهم من يأخذ
بالمجاز والكناية ، كما في قوله تعالى(أو لامستم النساء)، نجد من العلماء من فهم الآية بمعنى لمس اليد،ومنهم من قال أنها كناية عن الجماع،
من العلماء من يضع شروطا معينة في قبول الحديث،فيتشدد في قبول الرواة،وبعضهم يتساهل في ذلك، كاختلافهم في شرط المعاصرة،وثبوت اللقاء، وبعضهم يحتج بقول الصحابي ومنهم من لا يحتج،
لقد ألف العلماء العديد من المصنفات التي تناولت أسباب اختلاف العلماء
ومنهجهم في الاستنباط منها على سبيل المثال( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ،ــ أسباب اختلاف الفقهاءــ مالا يجوز الخلاف فيه ــ الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الخلاف ـــ وكتب الفقه المقارن)،
لقد بين لنا العلماء الكرام، أن الخلاف في فروع المسائل، ضرورة ،ورحمة ،وسعة ،فمن رحمة الله تعالى بهذه الأمة، أنه لم يضيق عليها أمر دينها، فجعل متسعا للأفهام والآراء،
فما يصلح لبيئة قد لا يصلح لأخرى،وما يصلح لزمن ، لا يصلح لزمن آخر،وهذا معنى أن الدين صالح لكل زمان ومكان.
لقد كان للا مام الشافعي رحمه الله،مذهبان، القديم عندما كان بالعراق، والجديد عندما جاء إلى مصر،فرأى مالم ير وسمع مالم يسمع،والمجتهد كثيرا ما يغير فتواه بتغير الحوادث والأزمان،
لقد رفض الإمام مالك رحمه الله،جعل الموطأ دستور الأمة،لتفرق الصحابة، وتعدد المدارس الفقهية،
إننا نجد في السنة النبوية المطهرة أن النبي فعل بعض الأمور بأكثر من صيغة أو طريقة، كما جاء في تثنية الآذان وتربيعه،والترجيع في الشهادتين،قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:يجوز أن يترك الأفضل في أمور العبادات،لتأليف القلوب ، كما ترك النبي بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام،لما في العدول من الأفضل إلى الجائز مراعاة للائتلاف
والتلاحم،وضرب الأمثلة على ذلك في بعض مؤلفاته،كفعل القنوت في صلاة الصبح مراعاة لحال المأمومين،والجهر بالبسملة كذلك،
إن الدارس لكتب الفقه يجد إن كثيرا من المسائل قد اختلف حولها العلماء،
كقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، وتكبيرات العيد، والجهر بالبسملة،واشتراط الماء المطلق للطهارة، والمبيت بمزدلفة،وأوقات رمي الجمار،..الخ..ولم يعب بعضهم على بعض,أو ينكر على مخالفه ويصفه بالبدعة والفسوق،أو يثير فتنة وفرقة كما يحدث في زماننا،من قبل أنصاف المتعلمين وجهالهم،
إن بقاء القلوب متحدة، والصفوف متراصة، هو الواجب الذي لا محيد عنه،والذي يجب علينا العمل على إحيائه،لان الإسلام نهى عن الفرقة والتشتت، وتلاعب الأهواء،
لأجل هذا عندما اختلف المصلون في إحدى المدن حول عدد ركعات صلاة التراويح، طلب منهم أحد العلماء إقفال السجد بعد صلاة العشاء، وان يصلى كل منهم صلاة التراويح في بيته بالعدد الذي يراه، والسبب في ذلك أن
وحدة الكلمة فرض ، وصلاة التراويح سنة،والفرض مقدم على السنة
إن الظاهرة التي برزت في العقدين الآخرين، هو وجود فئة من الناس تريد حمل الآخرين على معتقداتهم بالحق أو الباطل،مخالفين بذلك سنة النبي وعرف الأمة والأئمة، واصبح لاهم لديهم إلا إثارة الجزئيات والمتشابهات، التي تفرق صفوف المسلمين في البلد الواحد،وتزرع الأحقاد والكراهية بينهم،
إن ما نراه في مساجدنا وعند كثير من شبابنا، من تضخيم للفرعيات المختلف فيها أمر يثير الأسى،
إن هذه المسائل درسها أهل العلم ودونوها في كتبهم وتجاوزوها دون أن تثير بينهم فرقة أو نزاعا، فجاء هؤلاء، واستخرجوها من بطون الكتب،
وجعلوها من أساسيات الدين،بل من مسائل الولاء والبراء،؟! وما فعلوا ذلك إلا لنقص علمهم ، وقلة فهمهم،وعدم أخذهم العلم من مظانه بالتلقي والمشافهة، انهم بسطحيتهم، وعدم تعمقهم، يضرون اكثر مما ينفعون،
حتى وان كانت نيتهم سليمة وروحهم الإيمانية عالية،فقد اساؤا توظيف
حماسهم هذا،والواقع انهم مغرر بهم دون أن يعلموا،
إننا نذكرهم بقصة أصحاب السفينة التي ذكرها النبي الكريم، لعلهم يستـفيقون ويتنبهون،حيث أن هؤلاء الذين كانوا في اسفل السفينة شعروا
انهم يضايقون إخوانهم كلما صعدوا ونزلوا لجلب الماء، فاقترح بعضهم بحسن نية أن يخرقوا السفينة من أسفلها حتى لا يضايقوا إخوانهم الذين هم بأعلاها،فيقول الرسول الكريم أن هؤلاء لو تركوا لغرقوا وغرقت السفينة بمن فيها وان أخذ على أيديهم نجوا ، فهؤلاء لم يشفع لهم حسن نيتهم ، إذا اساؤا التصرف، لأنهم بتصرفهم هذا قد يحيق بهم الهلاك ، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا،
إن بعض الشباب المسلم حسن النية، والمتحمس لخدمة دينه، يسير في طريق وعر المسالك،كثير الدروب،يؤدى به في نهايته ـ إذا لم يتفطن لنفسه،ـ لأن يكون من الذين يضيقون على الناس وعلى أنفسهم أتمر دينهم ودنياهم،لأنهم بنوا معتقداتهم وتصوراتهم على سؤ فهم وقصر نظر،
إننا نراهم وللأسف، يتشددون في المسائل الشكلية،، ويحرصون عليها
اشد الحرص، وكأنها من واجبات الدين وأركانه،بينما لانراهم يتكلمون
عن غربة الإسلام وأهله، وضياع مقدسات الإسلام وأرضه، ولا نراهم في
مجالس العلم الديني أو الدنيوي، بل بعضهم ترك مقاعد الدراسة، وأصبح عالة على أسرته ومجتمعه، لانراهم يحاولون راب الصدع، وتوحيد الصف
، حتى المساجد لا تجدهم يقومون بعمارتها بالمعروف، كالآذان، وصيانتها من كل عبث، وصدق الكلمة، وترك العزلة والانطواء
إننا إذا تركنا هذا الفكر المبنى على السطحية، وعدم فهم مقاصد الشريعة،
وتسفيه الأمة وعلماء الإسلام،واتهامهم بكل نقيصة،
سنكون بتركنا لهذا الفكر المنحرف المغالى في التنطع، قد ساعدنا في زرع
الفتنة ، والفتنة اشد من القتل،
يجب التنبيه إننا لا نريد بكلمنا هذا مهاجمة الشباب، ولا الانتقاص من شانهم
فهم إخواننا وأبناءنا، وأقاربنا، إن كلا منا هذا إنما هو من باب الحرص عليهم،والنصيحة لهم ، والنصيحة من أركان الإسلام،إننا نقول لهم رويدا رويدا،فليس هكذا يفهم الدين،ولا بهذه الطريقة يخدم الإسلام، نقول لهم تعالوا إلى كلمة سواء، اتركوا الجدال والخوض في أعراض المسلمين وعلمائهم، ولا تحكموا لأحد، أو على أحد بجنة أو بنار،واعلموا أنكم ستعرضون على الله يوم لا ينفع مال ولا بنون ،وستحاسبون على كل كلمة ،
فلا تكونوا من المفلسين،كما في الحديث، إنكم لم تبعثوا حكاما ولا قضاة
على المسلمين،
نقول لهمن تعالوا واطرحوا ما عندكم ونحن نستمع إليكم، ونتباحث معكم على مائدة لا اله إلا الله،فالإيمان يجمعنا، والشيطان يفرقنا،
على كل منا أن ينتبه لأولاده وبناته، وان يلاحظ سلوكياتهم، فكل منا راع وهو مسؤول عن رعيته، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود: إن العلم إذا جاء عن الأصاغر تفرقت أهوائهم وهلكوا،
هذه دعوة للحوار والتفاهم وإزالة الأحكام المسبقة ونبذ الخلاف الذي
لايأتى بخير أبدا، فهل من ملب،
قال تعالى(تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
والله من وراء القصد وهو الهادي إلي سواء السبيل
بقلم شيخي الفاضل / حـمادى محمد بـوزيد